وقوله: (ولله المثل الاعلى في السماوات والأرض) تقدم أنه في مقام الحجة بالنسبة إلى قوله: (وهو أهون عليه) ومحصله أن كل صفة كمالية يتصف به شئ مما في السماوات والأرض من جمال أو جلال فان لله سبحانه أعلاها أي مطلقها من غير تقييد ومحضها من غير شوب وصرفها من غير خلط.
وقوله: (وهو العزيز الحكيم) في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله: (ولله المثل الاعلى) الخ، أي انه تعالى عزيز واجد لكل ما يفقده غيره ممتنع من أن يمتنع عليه شئ حكيم لا يعرض فعله فتور، ولو لم تكن صفة من صفاته مثلا أعلى مما عند غيره من الممكنات كانت محدودة غير مطلقة ومخلوطة غير صرفة غير خالية من النقص والقصور فاستذله ذاك القصور فلم يكن عزيزا على الاطلاق وأحدث ذاك النقص في فعله ثلمة وفتورا فلم يكن حكيما على الاطلاق.
قوله تعالى: (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) الخ، (من) في قوله: (من أنفسكم) لابتداء الغاية أي ضرب لكم مثلا متخذا من أنفسكم منتزعا من الحالات التي لديكم، وقوله: (هل لكم) شروع في المثل المضروب والاستفهام للانكار، و (ما) في (مما ملكت) للنوع أي من نوع ما ملكت أيمانكم من العبيد والإماء، و (من) في (من شركاء) زائدة وهو مبتدأ، وقوله: (فأنتم فيه سواء تفريع على الشركة، و (أنتم) خطاب شامل للمالكين والمملوكين على طريق التغليب، وقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي تخافون المماليك الشركاء أن تستبدوا في تصرف المال المشترك من غير اذن منهم ورضى كما تخافون أنفسكم من الشركاء الأحرار.
وهذا مثل ضربه الله لبيان بطلان ما يزعمون أن الله سبحانه مما خلق شركاء في الألوهية والربوبية وقد ألقى المثل في صورة الاستفهام الانكاري: هل يوجد بين مماليككم من العبيد والإماء من يكونون شركاء لكم في الأموال التي رزقناكم - والحال أنهم مماليك لكم تملكونهم وما في أيديهم - بحيث تخافونهم من التصرف في أموالكم بغير اذن منهم ورضى كما تخافون الشركاء الأحرار من نوع أنفسكم؟!
لا يكون ذلك أبدا ولا يجوز أن يكون المملوك شريكا لمولاه في ماله وإذا لم