تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٧٩
فألهمها فجورها وتقواها) الشمس: 8، وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل، قال تعالى: (ثم السبيل يسره) عبس: 20.
فللانسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له الا أن يسلكها خاصة وهو قوله: (فطرة الله التي فطر الناس عليها وليس الانسان العائش في هذه النشأة الا نوعا واحدا لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن فما للانسان من جهة أنه انسان الا سعادة واحدة وشفاء واحد فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه إليها هاد واحد ثابت.
وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة ولذلك عقب قوله: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) بقوله: (لا تبديل لخلق الله). فلو اختلفت سعادة الانسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الافراد المجتمعين، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعنى أن يكون الأساس الوحيد للسنة الاجتماعية أعني الدين هو ما يقتضيه حكم المنطقة كان الانسان أنواعا مختلفة باختلاف الأقطار، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة بمعنى أن تكون الاعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم ولم يسر الاجتماع الانساني سير التكامل ولم تكن الانسانية متوجهة من النقص إلى الكمال إذ لا يتحقق النقص والكمال الا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما.
وليس المراد بهذا انكار أن يكون لاختلاف الافراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة بل اثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الانسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الافراد، فللانسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الانسان وهي التي تدير رحى الانسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الافراد أو الأمكنة أو الأزمنة.
وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد: (ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وسنزيد المقام ايضاحا في بحث مستقل إن شاء الله تعالى.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست