تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٨١
ومنها: أن لا في قوله: (لا تبديل لخلق الله) تفيد النهى أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به، أو لا تبدلوا خلق الله بانكار دلالته على التوحيد ومنه ما نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهى عن الخصاء.
وفيه أن لا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الاعراض عن دلالة الخلقة أو انكارها تبديلا لخلق الله. وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر.
ومنها: ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال: ويحتمل أن يقال: خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للانسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية. وهذا لبيان فساد قول من يقول: العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين: ان الناقص لا يصلح لعبادة الله وانما الانسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى ان عيسى كان يحل الله فيه وصار الها فقال: لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك. انتهى.
وفيه أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين فان ملكه تعالى الذي لا يقبل الانتقال والبطلان ملك تكويني بمعنى قيام وجود الأشياء به تعالى والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الأشياء له تعالى ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله: (وان من شئ الا يسبح بحمده) أسرى: 44، وأما العبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالى فافهمه.
ولو دل قوله: (لا تبديل لخلق الله) على عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل على التكويني منهما والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الانسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح فإنما يعنى به التشريعي منهما.
قوله تعالى: (منيبين إليه واتقوا وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) تعميم للخطاب بعد تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نظير قوله: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الطلاق: 1، وقوله: (فاستقم كما أمرت أنت ومن معك ولا تطغوا) هود: 112،
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست