تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٧٥
والذي ينبغي أن يقال أن الجملة أعني قوله: (وهو أهون عليه) معلل بقوله بعده: (ولله المثل الاعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) فهو الحجة المثبتة لقوله: (وهو أهون عليه).
والمستفاد من قوله: (ولله المثل الاعلى) الخ، أن كل وصف كمالي يمثل به شئ في السماوات والأرض كالحياة والقدرة والعلم والملك والجود والكرم والعظمة والكبرياء وغيرها فلله سبحانه أعلى ذلك الوصف وأرفعها من مرتبة تلك الموجودات المحدودة كما قال: (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف: 180.
وذلك أن كل وصف من أوصاف الكمال اتصف به شئ مما في السماوات والأرض فله في حد نفسه ما يقابله فإنه مما أفاضه الله عليه وهو في نفسه خال عنه فالحي منها ميت في ذاته والقادر منها عاجز في ذاته ولذلك كان الوصف فيها محدودا مقيدا بشئ دون شئ وحال دون حال، وهكذا فالعلم فيها مثلا ليس مطلقا غير محدود بل محدود مخلوط بالجهل بما وراءه وكذلك الحياة والقدرة والملك والعظمة وغيرها.
والله سبحانه هو المفيض لهذه الصفات من فضله والذي له من معنى هذه الصفات مطلق غير محدود وصرف غير مخلوط فلا جهل في مقابل علمه ولا ممات يقابل حياته وهكذا فله سبحانه من كل صفة يتصف به الموجودات السماوية والأرضية - وهي صفات غير ممحضة ولا مطلقة ما هو أعلاها أي مطلقها ومحضها.
فكل صفة توجد فيه تعالى وفى غيره من المخلوقات، فالذي فيه أعلاها وأفضلها والذي في غيره مفضول بالنسبة إلى ما عنده.
ولما كانت الإعادة متصفة بالهون إذا قيس إلى الانشاء فيما عند الخلق فهو عنده تعالى أهون أي هون محض غير مخلوط بصعوبة ومشقة بخلاف ما عندنا معاشر الخلق ولا يلزم منه أن يكون في الانشاء صعوبة ومشقة عليه تعالى لان المشقة والصعوبة في الفعل تتبع قدرة الفاعل بالتعاكس فكلما قلت القدرة كثرت المشقة وكلما كثرت قلت حتى إذا كانت القدرة غير متناهية انعدمت المشقة من رأس، وقدرته تعالى غير متناهية فلا يشق عليه فعل أصلا وهو المستفاد من قوله: (ان الله على كل شئ قدير) فان القدرة إذا جاز تعلقها بكل شئ لم تكن الا غير متناهية فافهم ذلك.
(١٧٥)
مفاتيح البحث: الجود (1)، العزّة (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست