من الآيات السابقة المثبتة للمبدأ والمعاد أي إذا ثبت أن الخلق والتدبير لله وحده لا شريك له وهو سيبعث ويحاسب ولا نجاة لمن أعرض عنه وأقبل على غيره فأقم وجهك للدين والزمه فإنه الدين الذي تدعو إليه الخلقة الإلهية.
وقيل: الكلام متفرع على معنى التسلية المفهوم من سياق البيان السابق الدال على ما هو الحق وأن المشركين لظلمهم اتبعوا الأهواء وأعرضوا عن التعقل الصحيح فأضلهم الله ولم يأذن لناصر ينصرهم بالهداية ولا لمنقذ ينقذهم من الضلال لا أنت ولا غيرك فاستيئس منهم واهتم بخاصة نفسك ومن تبعك من المؤمنين وأقم وجهك ومن تبعك للدين.
فقوله: (فأقم وجهك للدين) المراد بإقامة الوجه للدين الاقبال عليه بالتوجه من غير غفلة منه كالمقبل على الشئ بقصر النظر فيه بحيث لا يلتفت عنه يمينا وشمالا والظاهر أن اللام في الدين للعهد والمراد به الاسلام.
وقوله: (حنيفا) حال من فاعل أقم وجوز أن يكون حالا من الدين أو حالا من الوجه والأول أظهر وأنسب للسياق، والحنف ميل القدمين إلى الوسط والمراد به الاعتدال.
وقوله: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الايجاد والابداع و (فطرة الله) منصوب على الاغراء أي الزم الفطرة ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له هو الذي يهتف به الخلقة ويهدى إليه الفطرة الإلهية التي لا تبديل لها.
وذلك أنه ليس الدين الا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الانسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته فلا غاية للانسان يتبعها الا السعادة وقد هدى كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته وجهز في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز، قال تعالى: (ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50، وقال: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) الاعلى: 3.
فالانسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، قال تعالى: (ونفس وما سواها