ثم السعي في طلب الرزق وسكون المنام ثم إراءة البرق وتنزيل الأمطار حتى تنتهي إلى قيام السماء والأرض إلى أجل مسمى ليتم لهذا النوم الانساني ما قدر له من أمد الحياة ويعقب ذلك البعث فهذا بعض ما في ترتيب ذكر هذه الآيات من النكات.
وقد رتبت الفواصل أعني قوله (يتفكرون) (للعالمين) (يسمعون) (يعقلون) على هذا الترتيب لان الانسان يتفكر فيصير عالما ثم إذا سمع شيئا من الحقائق وعاه ثم عقله والله أعلم.
قوله تعالى: (وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) كانت الآيات المذكورة مسوقة لاثبات ربوبيته تعالى وألوهيته كما تقدمت الإشارة إليه ولما انتهى الكلام إلى ذكر البعث والرجوع إلى الله عقب ذلك بالبرهان على امكانه والحجة مأخوذة من الخلق والتدبير المذكورين في الآيات السابقة.
فقوله: (وله من في السماوات والأرض) إشارة إلى إحاطة ملكه الحقيقي لجميع من في السماوات والأرض وهم المحشورون إليه وذلك لان وجودهم من جميع الجهات قائم به تعالى قيام فقر وحاجة لا استقلال ولا استغناء لهم عنه بوجه من الوجوه وهذا هو الملك الحقيقي الذي أثره جواز تصرف المالك في ملكه كيف شاء فله تعالى أن يتصرف في مملوكية بنقلهم من النشأة الدنيا إلى النشأة الآخرة.
وقد أكد ذلك بقوله: (كل له قانتون) والقنوت لزوم الطاعة مع الخضوع - على ما ذكره الراغب في المفردات - والمراد بالطاعة مع الخضوع الطاعة التكوينية - على ما يعطيه السياق - دون التشريعية التي ربما تخلفت.
وذلك أنهم الملائكة والجن والانس فأما الملائكة فليس عندهم الا خضوع الطاعة، وأما الجن والإنس فهم مطيعون منقادون للعلل والأسباب الكونية وكلما احتالوا في الغاء أثر علة من العلل أو سبب من الأسباب الكونية توسلوا إلى علة أخرى وسبب آخر كوني ثم علمهم وإرادتهم كاختيارهم جميعا من الأسباب الكونية فلا يكون الا ما شاء الله أي الذي تمت علله في الخارج ولا يتحقق مما شاؤوا الا ما أذن فيه وشاءه فهو المالك لهم ولما يملكونه.