تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٦
إلى آخر الآية، قال الراغب: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى من الحيوانات المتزاوجة: زوج ولكل قرينين فيها وفى غيرها: زوج، قال تعالى: (وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) وقال: (وزوجك الجنة) وزوجة لغة رديئة وجمعها زوجات - إلى أن قال - وجمع الزوج أزواج. انتهى.
فقوله: (أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) أي خلق لأجلكم - أو لينفعكم - من جنسكم قرائن وذلك أن كل واحد من الرجل والمرأة مجهز بجهاز التناسل تجهيزا يتم فعله بمقارنة الاخر ويتم بمجموعهما أمر التوالد والتناسل فكل واحد منهما ناقص في نفسه مفتقر إلى الاخر ويحصل من المجموع واحد تام له أن يلد وينسل، ولهذا النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما إلى الاخر حتى إذا اتصل به سكن إليه لان كل ناقص مشتاق إلى كماله وكل مفتقر مائل إلى ما يزيل فقره وهذا هو الشبق المودع في كل من هذين القرينين.
وقوله: (وجعل بينكم مودة ورحمة) المودة كأنها الحب الظاهر أثره في مقام العمل فنسبة المودة إلى الحب كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثر نفساني عن العظمة والكبرياء.
والرحمة نوع تأثر نفساني عن مشاهدة حرمان المحروم عن الكمال وحاجته إلى رفع نقيصته يدعو الراحم إلى انجائه من الحرمان ورفع نقصه.
ومن أجل موارد المودة والرحمة المجتمع المنزلي فان الزوجين يتلازمان بالمودة والمحبة وهما معا وخاصة الزوجة يرحمان الصغار من الأولاد لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل لرفع الحوائج الحيوية فيقومان بواجب العمل في حفظهم وحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم وايوائهم وتربيتهم ولولا هذه الرحمة لا نقطع النسل ولم يعش النوع قط.
ونظير هذه المودة والرحمة مشهود في المجتمع الكبير المدني بين أفراد المجتمع فالواحد منهم يأنس بغيره بالمودة ويرحم المساكين والعجزة والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بواجبات الحياة.
والمراد بالمودة والرحمة في الآية الأوليان على ما يعطيه مناسبة السياق أو الأخيرتان على ما يعطيه اطلاق الآية.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست