والترك الابقاء أي أبقينا من القرية علامة واضحة لقوم يعقلون ليعتبروا بها فيتقوا الله وهي الآثار الباقية منها بعد خرابها بنزول العذاب.
وهي اليوم مجهولة المحل لا أثر منها وربما يقال: ان الماء غمرها بعد وهي بحر لوط، لكن الآية ظاهرة - كما ترى - أنها كانت ظاهرة معروفة في زمن نزول القرآن وأوضح منها قوله تعالى: (وانها لبسبيل مقيم) الحجر: 76، وقوله: (وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) الصافات: 138.
قوله تعالى: (والى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين) يدعوهم إلى عبادة الله وهو التوحيد والى رجاء اليوم الآخر وهو الاعتقاد بالمعاد وأن لا يفسدوا في الأرض وكانت عمدة افسادهم فيها - على ما ذكر في قصتهم في مواضع أخر - نقص الميزان والمكيال.
قوله تعالى: (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) الرجفة الاضطراب الشديد على ما ذكره الراغب، والجثم والجثوم في المكان القعود فيه أو البروك على الأرض وهو كناية عن الموت والمعنى: فكذبوا شعيبا فأخذهم الاضطراب الشديد أو الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم ميتين لا حراك بهم.
وقال في قصتهم في موضع آخر: (وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) هود: 94. ويستظهر من ذلك أنهم أهلكوا بالصيحة والرجفة.
قوله تعالى: (وعادا وثمود قد تبين لكم من مساكنهم) إلى آخر الآية غير السياق تفننا فبدأ بذكر عاد وثمود وكذا في الآية التالية بدأ بذكر قارون وفرعون وهامان بخلاف قصص الأمم المذكورين سابقا حيث بدأ بذكر أنبيائهم كنوح وإبراهيم ولوط وشعيب. وقوله: (وعادا وثمود) منصوبان بفعل مقدر تقديره واذكر عادا وثمود.
وقوله: (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) تزيين الشيطان لهم أعمالهم كناية استعارية عن تحبيب أعمالهم السيئة إليهم وتأكيد تعلقهم بها وصده إياهم عن السبيل صرفهم عن سبيل الله التي هي سبيل الفطرة، ولذا قال بعضهم: ان المراد بكونهم مستبصرين أنهم كانوا قبل ذلك على الفطرة الساذجة.