وقوله: " وكذلك يفعلون " مسوق للدلالة على الاستمرار بعد دلالة قوله:
" أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " على أصل الوقوع، وقيل: إن الجملة من كلام الله سبحانه لا من تمام كلام ملكة سبأ، وليس بسديد إذ لا اقتضاء في المقام لمثل هذا التصديق.
قوله تعالى: " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " أي مرسلة إلى سليمان وهذا نوع من التجبر والاعتزاز الملوكي تصون لسانها عن اسمه وتنسب الامر إليه وإلى من معه جميعا وأيضا تشير به إلى أنه يفعل ما يفعل بأيدي اعضاده وجنوده وإمداد رعيته.
وقوله: " فناظرة بم يرجع المرسلون " أي حتى اعمل عند ذلك بما تقتضيه الحال وهذا - كما تقدم - هو رأي ملكة سبأ، ويعلم من قوله: " المرسلون " أن الحامل للهدية كان جمعا من قومها كما يستفاد من قول سليمان بعد: " ارجع إليهم " انه كان للقوم المرسلين رئيس يرأسهم.
قوله تعالى: " فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " ضمير جاء للمال الذي أهدى إليه أو للرسول الذي جاء بالهدية.
والاستفهام في قوله: " أتمدونن بمال " للتوبيخ والخطاب للرسول والمرسل بتغليب الحاضر على الغائب، وتوبيخ القوم من غير تعيين الملكة من بينهم نظير قولها فيما تقدم: " وإني مرسلة إليهم بهدية " كما أشرنا إليه.
وجوز أن يكون الخطاب للمرسلين وكانوا جماعة وهو خطأ فإن الامداد لم يكن من المرسلين بل ممن أرسلهم فلا معنى لتوجيه التوبيخ إليهم خاصة، وتنكير المال للتحقير، والمراد بما آتاني الله الملك والنبوة.
والمعنى: أتمدونني بمال حقير لا قدر له عندي في جنب ما آتاني الله فما آتاني الله من النبوة والملك والثروة خير مما آتاكم.
وقوله: " بل أنتم بهديتكم تفرحون " إضراب عن التوبيخ بإمداده بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم أي إن إمدادكم إياي بمال لا قدر له عندي في جنب ما آتاني الله قبيح وفرحكم بهديتكم لاستعظامكم لها وإعجابكم بها أقبح.
وقيل: المراد بهديتكم الهدية التي تهدي إليكم، والمعنى: بل أنتم تفرحون بما