تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٦٥
وقيل: المشار إليه بقوله: " هذا " هو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات.
وفيه أن ظاهر قوله: " فلما رآه مستقرا عنده قال " الخ، أن هذا الثناء مرتبط بحال الرؤية والذي في حال الرؤية هو حضور العرش عنده دون التمكن من الاحضار الذي كان متحققا منذ زمان.
وفي الكلام حذف وإيجاز، والتقدير فأذن له سليمان في الاتيان به كذلك فأتى به كما قال: " فلما رآه مستقرا عنده " وفي حذف ما حذف دلالة بالغة على سرعة العمل كأنه لم يكن بين دعواه الاتيان به كذلك وبين رؤيته مستقرا عنده فصل أصلا.
قوله تعالى: " قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون "، قال في المفردات: تنكير الشئ من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف، قال تعالى: " قال نكروا لها عرشها " وتعريفه جعله بحيث يعرف. انتهى.
والسياق يدل على أن سليمان عليه السلام إنما قاله حينما قصدته ملكه سبأ وملاها لما دخلوا عليه، وإنما أراد بذلك اختبار عقلها كما أنه أراد بأصل الاتيان به إظهار آية باهرة من آيات نبوته لها، ولذا أمر بتنكير العرش ثم رتب عليه قوله: " ننظر أتهتدي " الخ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " أي فلما جاءت الملكة سليمان عليه السلام قيل له من جانب سليمان:
" أهكذا عرشك " وهو كلمة اختبار.
ولم يقل: أهذا عرشك بل زيد في التنكير فقيل: أهكذا عرشك؟ فأستفهم عن مشابهة عرشها لهذا العرش المشار إليه في هيئته وصفاته، وفي نفس هذه الجملة نوع من التنكير.
وقوله: " قالت كأنه هو " المراد به أنه هو وإنما عبرت بلفظ التشبيه تحرزا من الطيش والمبادرة إلى التصديق من غير تثبت، ويكني عن الاعتقادات الابتدائية التي لم يتثبت عليها غالبا بالتشبيه.
وقوله: " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين " ضمير " قبلها " لهذه الآية أي الاتيان بالعرش أو لهذه الحالة أي رؤيتها له بعد ما جاءت، وظاهر السياق أنها تتمة
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»
الفهرست