تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٥٨
بسم الله الرحمن الرحيم " في الكلام حذف وإيجاز والتقدير فأخذ الهدهد الكتاب وحمله إلى ملكة سبأ حتى إذا أتاها ألقاه إليها فأخذتها ولما قرأتها قالت لملأها وأشراف قومها يا أيها الملأ " الخ ".
فقوله: " قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " حكاية ذكرها لملأها أمر الكتاب وكيفية وصوله إليها ومضمونه، وقد عظمته إذ وصفته بالكرم.
وقوله: " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " ظاهره أنه تعليل لكون الكتاب كريما أي والسبب فيه أنه من سليمان ولم يكد يخفى عليها جبروت سليمان وما أوتيه من الملك العظيم والشوكة العجيبة كما اعترفت بذلك في قولها على ما حكاه الله بعد: " وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ".
وإنه بسم الله الرحمن الرحيم: أي الكتاب باسمه تعالى فهو كريم لذلك والوثنيون جميعا قائلون بالله سبحانه يرونه رب الأرباب وإن لم يعبدوه، وعبدة الشمس منهم وهم من شعب الصابئين يعظمونه ويعظمون صفاته وإن كانوا يفسرون الصفات بنفي النقائص والاعدام فيفسرون العلم والقدرة والحياة والرحمة مثلا بانتفاء الجهل والعجز والموت والقسوة فكون الكتاب باسم الله الرحمن الرحيم يستدعي كونه كريما، كما أن كونه من سليمان العظيم يستدعي كونه كريما، وعلى هذا فالكتاب أي مضمونه هو قوله: " أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " وأن مفسرة.
ومن العجيب ما عن جمع من المفسرين أن قوله: " إنه من سليمان " استئناف وقع جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل: ممن الكتاب وماذا فيه فقالت: إنه من سليمان الخ، وعلى هذا يكون قوله: وإنه بسم الله بيانا للكتاب أي لمتنه وأن الكتاب هو " بسم الله الرحمن الرحيم أي لا تعلوا علي وأتوني مسلمين ".
ويتوجه عليهم أولا: وقوع لفظه أن زائدة لا فايدة لها ولذا قال بعضهم: إنها مصدرية و " لا " نافية لا ناهية وهو وجه سخيف كما سيأتي.
وثانيا: بيان الوجه في كون الكتاب كريما فقيل: وجه كرامته أنه كان مختوما ففي الحديث: إكرام الكتاب ختمه حتى ادعى بعضهم أن معنى كرامة الكتاب ختمه، يقال: أكرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته، وقيل: إنها سمته كريما لجودة
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست