تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٥٩
خطه وحسن بيانه، وقيل: لوصوله إليها على منهاج غير عادي، وقيل: لظنها بسبب إلقاء الطير أنه كتاب سماوي إلى غير ذلك من الوجوه.
وأنت خبير بأنها تحكمات غير مقنعة، والظاهر أن الذي أوقعهم فيما وقعوا حملهم قوله: " وإنه بسم الله - إلى قوله - مسلمين " على حكاية متن الكتاب وذلك ينافي حمل قوله: " وإنه من سليمان وإنه بسم الله " الخ، على تعليل كرامة الكتاب ويدفعه أن ظاهر أن المفسرة في قوله: " أن لا تعلوا علي " الخ، أنه نقل لمعنى الكتاب ومضمونه لا حكاية متنه فمحصل الآيتين أن الكتاب كان مبدوا بسم الله الرحمن الرحيم وأن مضمونه النهي عن العلو عليه والامر بأن يأتوه مسلمين فلا محذور أصلا.
قوله تعالى: " أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " أن مفسرة تفسر مضمون كتاب سليمان كما تقدمت الإشارة إليه.
وقول بعضهم: إنها مصدرية و " لا " نافية أي عدم علوكم علي، سخيف لاستلزامه أولا: تقدير مبتدأ أو خبر محذوف من غير موجب، وثانيا: عطف الانشاء وهو قوله: " وأتوني " على الاخبار.
والمراد بعلوهم عليه استكبارهم عليه، وبقوله: " وأتوني مسلمين " إسلامهم بمعنى الانقياد على ما يؤيده قوله: " أن لا تعلوا علي " دون الاسلام بالمعنى المصطلح وهو الايمان بالله سبحانه وإن كان اتيانهم منقادين له يستلزم إيمانهم بالله على ما يستفاد من سياق قول الهدهد وسياق الآيات الآتية، ولو كان المراد بالايمان المعنى المصطلح كان المناسب أن يقال: أن لا تعلوا على الله.
وكون سليمان عليه السلام نبيا شأنه الدعوة إلى الاسلام لا ينافي ذلك فإنه كان ملكا رسولا وكانت دعوته إلى الانقياد المطلق تستلزم ذلك كما تقدم وقد انتهت إلى إسلامها لله كما حكى الله تعالى عنها " وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ".
قوله تعالى: " قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " الافتاء إظهار الفتوى وهى الرأي، وقطع الامر القضاء به والعزم عليه الشهادة الحضور وهذا استشارة منها لهم تقول: أشيروا علي في هذا الامر الذي واجهته - وهو الذي يشير إليه كتاب سليمان - وإنما أستشير كم فيه لأني لم أكن حتى اليوم
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست