وفي الآيات - على ما تقدم من معناها - تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبشرى للمؤمنين بالنجاة وإيعاد للكفار بالعذاب.
قوله تعالى: " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين - إلى قوله - كاذبون "، تعريف لمن تتنزل عليه الشياطين بما يخصه من الصفة ليعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس منهم ولا أن القرآن من إلقاء الشياطين، والخطاب متوجه إلى المشركين.
فقوله: " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين " في معنى هل أعرفكم الذين تتنزل عليهم شياطين الجن بالاخبار؟
وقوله: " تنزل على كل أفاك أثيم " قال في مجمع البيان: الافاك الكذاب وأصل الإفك القلب والأفاك الكثير القلب للخبر عن جهة الصدق إلى جهة الكذب، والأثيم الفاعل للقبيح يقال: أثم يأثم إثما إذا ارتكب القبيح وتأثم إذا ترك الاثم انتهى.
وذلك أن الشياطين لا شأن لهم إلا إظهار الباطل في صورة الحق وتزيين القبيح في زي الحسن فلا يتنزلون إلا على أفاك أثيم.
وقوله: " يلقون السمع وأكثرهم كاذبون " الظاهر أن ضميري الجمع في " يلقون " و " أكثرهم " معا للشياطين، والسمع مصدر بمعنى المسموع والمراد به ما سمعه الشياطين من أخبار السماء ولو ناقصا فإنهم ممنوعون من الاستماع مرميون بالشهب فما استرقوه لا يكون إلا ناقصا غير تام ولا كامل ولذا يتسرب إليه الكذب كثيرا.
وقوله: " وأكثرهم كاذبون " أي أكثر الشياطين كاذبون لا يخبرون بصدق أصلا وهذا هو الكثرة بحسب الافراد ويمكن أن يكون المراد الكثرة من حيث التنزل أي أكثر المتنزلين منهم كاذبون أي أكثر أخبارهم كاذبة.
ومحصل حجة الآيات الثلاث أن الشياطين لابتناء جبلتهم على الشر لا يتنزلون إلا على كل كذاب فاجر وأكثرهم كاذبون في أخبارهم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بأفاك أثيم ولا ما يوحى إليه من الكلام كذبا مختلقا فليس ممن تتنزل عليه الشياطين ولا الذي يتنزل عليه شيطانا، ولا القرآن النازل عليه من إلقاء الشياطين.
قوله تعالى: " والشعراء يتبعهم الغاوون - إلى قوله - لا يفعلون " جواب عن رمي المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه شاعر، نبه عليه بعد الجواب عن قولهم إن له شيطانا يوحي إليه القرآن.