ولعل الوجه فيه اشتمالها على تشريع حرمة الزنا لكنك قد عرفت فيما أوردناه من أخبار آية الخمر من سورة المائدة أن الزنا والخمر كانا معروفين بالتحريم في الاسلام من أول ظهور الدعوة الاسلامية.
ومن العجيب قول بعضهم: إن السورة مدنية كلها إلا ثلاث آيات من أولها " تبارك الذي - إلى قوله - نشورا ".
قوله تعالى: " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " البركة بفتحتين ثبوت الخير في الشئ كثبوت الماء في البركة بالكسر فالسكون مأخوذ من برك البعير إذا ألقى صدره على الأرض واستقر عليها، ومنه التبارك بمعنى ثبوت الخير الكثير وفي صيغته دلالة على المبالغة على ما قيل، وهو كالمختص به تعالى لم يطلق على غيره إلا على سبيل الندرة.
والفرقان هو الفرق سمي به القرآن لنزول آياته متفرقة أو لتمييزه الحق من الباطل ويؤيد هذا المعنى إطلاق الفرقان في كلامه تعالى على التوراة أيضا مع نزولها دفعة، قال الراغب في المفردات: والفرقان أبلغ من الفرق لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل، وتقديره كتقدير رجل قنعان يقنع به في الحكم، وهو اسم لا مصدر فيما قيل، والفرق يستعمل فيه وفي غيره. انتهى.
والعالمون جمع عالم ومعناه الخلق قال في الصحاح: العالم الخلق والجمع العوالم، والعالمون أصناف الخلق انتهى. و اللفظة وإن كانت شامة لجميع الخلق من الجماد والنبات والحيوان والانسان والجن والملك لكن سياق الآية - وقد جعل فيها الانذار - غاية لتنزيل القرآن - يدل على كون المراد بها المكلفين من الخلق وهم الثقلان: الإنس والجن فيما نعلم.
وبذلك يظهر عدم استقامة ما ذكره بعضهم أن الآية تدل على عموم رسالته ص لجميع ما سوى الله فإن فيه غفلة عن وجه التعبير عن الرسالة بالانذار ونظير الآية قوله تعالى: " واصطفاك على نساء العالمين " آل عمران: 42 وقوله: " وفضلناهم على العالمين " الجاثية: 16.
والنذير بمعنى المنذر على ما قيل، والانذار قريب المعنى من التخويف.