قوله تعالى: " وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " حكاية قول مشركي مكة وإنما قالوا هذا تعريضا للقرآن أنه ليس بآية دالة على النبوة فليأتنا بآية كما أرسل الأولون والبينة الشاهد المبين أو البين وقيل هو البيان.
وكيف كان فقولهم: " لولا يأتينا بآية من ربه " تحضيض بداعي إهانة القرآن وتعجيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم باقتراح آية معجزة أخرى، وقوله: " أو لم تأتهم بينة " الخ، جواب عنه ومعناه على الوجه الأول من معنيي البينة: أو لم تأتهم بينة وشاهد يشهد على ما في الصحف الأولى - وهي التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية - من حقائق المعارف والشرائع ويبينها وهو القرآن وقد أتى به رجل لا عهد له بمعلم يعلمه ولا ملقن يلقنه ذلك.
وعلى الوجه الثاني: أو لم يأتهم بيان ما في الصحف الأولى من أخبار الأمم الماضين الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات المعجزة فاتوا بها وكان إتيانها سببا لهلاكهم واستئصالهم لما لم يؤمنوا بها بعد إذ جاءتهم فلم لا ينتهون عن اقتراح آية بعد القرآن؟ ولكل من المعنيين نظير في كلامه تعالى.
قوله تعالى: " ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " الظاهر أن ضمير " من قبله " للبينة - في - الآية السابقة - باعتبار أنها القرآن، والمعنى: ولو أنا أهلكناهم لاسرافهم وكفرهم بعذاب من قبل أن تأتيهم البينة لم تتم عليهم الحجة ولكانت الحجة لهم علينا ولقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك وهي التي تدل عليها البينة من قبل أن نذل بعذاب الاستئصال ونخزى.
وقيل الضمير للرسول المعلوم من مضمون الآية السابقة بشهادة قولهم: " لولا أرسلت إلينا رسولا " وهو قريب من جهة اللفظ والمعنى الأول من جهة المعنى ويؤيده قوله: " فنتبع آياتك " ولم يقل: فنتبع رسولك.
قوله تعالى: " قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى " التربص الانتظار والصراط السوي الطريق المستقيم، وقوله: " كل متربص " أي كل منا ومنكم متربص منتظر فنحن ننتظر ما وعده الله لنا فيكم وفي تقدم