تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٥١
قوله تعالى: " وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " الاسرار يقابل الاعلان فإسرار النجوى هو المبالغة في كتمان القول وإخفائه فإن إسرار القول يفيد وحده معنى النجوى فإضافته إلى النجوى تفيد المبالغة.
وضمير الفاعل في " أسروا النجوى " راجع إلى الناس غير أنه لما لم يكن الفعل فعلا لجميعهم ولا لأكثرهم فإن فيهم المستضعف ومن لا شغل له به وإن كان منسوبا إلى الكل من جهة ما في مجتمعهم من الغفلة والاعراض أوضح النسبة بقوله: " الذين ظلموا " فهو عطف بيان دل به على أن النجوى إنما كان من الذين ظلموا منهم خاصة.
وقوله: " هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " هو الذي تناجوا به، وقد كانوا يصرحون بتكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعلنون بأنه بشر وأن القرآن سحر من غير أن يخفوا شيئا من ذلك لكنهم إنما أسروه في نجواهم إذ كان ذلك منهم شورى يستشير بعضهم فيه بعضا ماذا يقابلون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويجيبون عما يسألهم من الايمان بالله وبرسالته؟ فما كان يسعهم إلا كتمان ما يذكر فيما بينهم وأن كانوا أعلنوا به بعد الاتفاق على رد الدعوة.
وقد اشتمل نجواهم على قولين قطعوا عليهما أو ردوهما بطريق الاستفهام الانكاري وهما قوله: " هل هذا إلا بشر مثلكم " وقد اتخذوه حجة لابطال نبوته وهو أنه كما تشاهدونه - وقد أتوا باسم الإشارة دون الضمير فقالوا: " هل هذا؟ ولم يقولوا: هل هو؟ للدلالة على العلم به بالمشاهدة - بشر مثلكم لا يفارقكم في شئ يختص به فلو كان ما يدعيه من الاتصال بالغيب والارتباط باللاهوت حقا لكان عندكم مثله لأنكم بشر مثله، فإذ ليس عندكم من ذلك نبأ فهو مثلكم لا خبر عنده فليس بنبي كما يدعى.
وقولهم: " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " وهو متفرع بفاء التفريع على نفي النبوة بإثبات البشرية فيرجع المعنى إلى أنه لما لم يكن نبيا متصلا بالغيب فالذي أتاكم به مدعيا أنه آية النبوة ليس بآية معجزة من الله بل سحر تعجزون عن مثله، ولا ينبغي لذي بصر سليم أن يذعن بالسحر ويؤمن بالساحر.
قوله تعالى: " قال ربى يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم " أي إنه تعالى محيط علما بكل قول سرا أو جهرا وفي أي مكان وهو السميع لأقوالكم
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست