تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٤٥
ومن هنا يظهر أن اللام في " للناس " بمعنى إلى لا بمعنى " من " لان المناسب للمقام أخذ نسبة الاقتراب من جانب الحساب لأنه الذي يطلب الناس بالاقتراب منهم والناس في غفلة معرضون.
والمراد بالحساب - وهو محاسبة الله سبحانه أعمالهم يوم القيامة - نفس الحساب لا زمانه بنحو التجوز أو بتقدير الزمان وإن أصر بعضهم عليه ووجهه بعض آخر بأن الزمان هو الأصل في القرب والبعد وإنما ينسب القرب والبعد إلى الحوادث الواقعة فيه بتوسطه.
وذلك لان الغرض في المقام متعلق بتذكرة نفس الحساب لتعلقه بأعمال الناس إذ كانوا مسؤولين عن أعمالهم فكان من الواجب في الحكمة أن ينزل عليهم ذكر من ربهم ينبههم على ما فيه مسؤوليتهم ومن الواجب عليهم أن يستمعوا له مجدين غير لاعبين ولا لاهية قلوبهم نعم لو كان الكلام مسوقا لبيان أهوال الساعة وما أعد من العذاب للمجرمين كان الأنسب التعبير بيوم الحساب أو تقدير الزمان ونحو ذلك.
والمراد بالناس الجنس وهو المجتمع البشرى الذي كان أكثرهم مشركين يومئذ لا المشركون خاصة وإن كان ما ذكر من أوصافهم كالغفلة والاعراض والاستهزاء وغيرها أوصاف المشركين فليس ذلك من نسبة حكم البعض إلى الكل مجازا بل من نسبة حكم المجتمع إلى نفسه حقيقة ثم استثناء البعض الذي لا يتصف بالحكم كما يلوح إليه أمثال قوله: " وأسروا النجوى الذين ظلموا " وقوله: " فأنجيناهم ومن نشاء " على ما هو دأب القرآن في خطاباته الاجتماعية من نسبة الحكم إلى المجتمع ثم استثناء الافراد غير المتصفة به.
وبالجملة فرق بين أخذ المجتمع موضوعا للحكم واستثناء أفراد منه غير متصفة به وبين أخذ أكثر الافراد موضوع الحكم ثم نسبة حكمه إلى الكل مجازا وما نحن فيه من القبيل الأول دون الثاني.
وقد وجه بعضهم اقتراب الحساب للناس بأن كل يوم يمر على الدنيا تصير أقرب إلى الحساب منها بالأمس، وقيل: الاقتراب إنما هو بعناية كون بعثته صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الزمان كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: بعثت أنا والساعة كهاتين، وأما الوجه السابق فإنما يناسب اللفظ الدال على الاستمرار دون الماضي الدال على الفراغ من تحققه ونظيره أيضا
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست