قوله تعالى: " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " توبيخ لهم حيث عبدوه وهم يرون أنه لا يرجع قولا بأن يستجيب لمن يدعوه ولا يملك لهم ضرا فيدفعه عنهم ولا نفعا بأن يجلبه ويوصله إليهم، ومن ضروريات عقولهم أن الرب يجب أن يستجيب لمن دعاه لدفع ضر أو لجلب نفع وأن يملك الضر والنفع لمربوبه.
قوله تعالى: " ولقد قال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان فاتبعوني وأطيعوا أمري " تأكيد لتوبيخهم وزيادة تقرير لجرمهم، والمعنى أنهم مضافا إلى عدم تذكرهم بما تذكرهم به ضرورة عقولهم وعدم انتهائهم عن عبادة العجل إلى البصر والعقل لم يعتنوا بما قرعهم من طريق السمع أيضا، فلقد قال لهم نبيهم هارون إنه فتنة فتنوا به وإن ربهم الرحمان عز اسمه وإن من الواجب عليهم أن يتبعوه ويطيعوا أمره.
فردوا على هارون قائلين: لن نبرح ولن نزال عليه عاكفين أي ملازمين لعبادته حتى يرجع إلينا موسى فنرى ماذا يقول فيه وماذا يأمرنا به.
قوله تعالى: " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا إلا تتبعن أفعصيت أمري " رجع عليه السلام بعد تكليم القوم في أمر العجل إلى تكليم أخيه هارون إذ هو أحد المسؤولين الثلاثة في هذه المحنة استخلفه عليهم وأوصاه حين كان يوادعه قائلا: " اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ".
وكأن قوله: " منعك مضمن معنى دعاك، أي ما دعاك إلى أن لا تتبعن مانعا لك عن الاتباع أو ما منعك داعيا لك إلى عدم اتباعي فهو نظير قوله: " قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " الأعراف: 12.
والمعنى: قال موسى معاتبا لهارون: ما منعك عن اتباع طريقتي وهو منعهم عن الضلال والشدة في جنب الله أفعصيت أمري أن تتبعني ولا تتبع سبيل المفسدين؟
قوله تعالى: " قال يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي " الخ، " يابن أم " أصله يا بن أمي وهى كلمة استرحام واسترءاف قالها لاسكات غضب موسى، ويظهر من قوله: