تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٨٨
أنبيائه ورسله وكل حكم جاؤوا به من عند الله تعالى، وقد كثر استعمال الايمان في القرآن في كل من المعنيين كما كثر استعمال التوبة في كل من المعنيين المذكورين وبنو إسرائيل كما تلبسوا بمعاصي فسقوا بها كذلك تلبسوا بالشرك كعبادة العجل وعلى هذا فلا موجب لصرف الكلام عن ظاهر إطلاقه في التوبة عن الشرك والمعصية جميعا والايمان بالله وآياته وكذلك إطلاقه بالنسبة إلى التائبين والمؤمنين من بني إسرائيل وغيرهم وإن كان بنو إسرائيل مورد الخطاب فإن الصفات الإلهية كالمغفرة لا تختص بقوم دون قوم.
فمعنى الآية - والله أعلم - وإني لكثير المغفرة لكل انسان تاب وآمن سواء تاب عن شرك أو عن معصية وسواء آمن بي أو بآياتي من رسلي، أو ما جاؤوا به من أحكامي بأن يندم على ما فعل ويعمل عملا صالحا بتبديل المخالفة والتمرد فيما عصى فيه بالطاعة فيه وهو المحقق لأصل معنى الرجوع من شئ وقد مر تفصيل القول فيه في تفسير قوله تعالى: " إنما التوبة على الله " النساء: 17 في الجزء الرابع من الكتاب.
وأما قوله: " ثم اهتدى " فالاهتداء يقابل الضلال كما يشهد به قوله تعالى:
من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " أسري: 15، وقوله:
" لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " المائدة: 105، فهل المراد أن لا يضل في نفس ما تاب فيه بأن يعود إلى المعصية ثانيا فيفيد أن التوبة عن ذنب إنما تنفع بالنسبة إلى ما اقترفه قبل التوبة ولا تكفى عنه لو عاد إليه ثانيا أو المراد أن لا يضل في غيره فيفيد أن المغفرة إنما تنفعه بالنسبة إلى لمعصية التي تاب عنها وبعبارة أخرى إنما تنفعه نفعا تاما إذا لم يضل في غيره من الأعمال، أو المراد ما يعم المعنيين؟
ظاهر العطف بثم أن يكون المراد هو المعنى الأول فيفيد معنى الثبات والاستقامة على التوبة فيعود إلى اشتراط الاصلاح الذي هو مذكور في عدة من الآيات كقوله:
" إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " آل عمران: 89 النور 5.
لكن يبقى على الآية بهذا المعنى أمران: أحدهما نكتة التعبير بالغفار بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة فما معنى كثرة مغفرته تعالى لمن اقترف ذنبا واحدا ثم تاب؟
وثانيهما أن لازمها أن يكون من خالف حكما من أحكامه كافرا به وإن اعترف بأنه
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست