بالرسول باتباعه في أمر الدين والدنيا وبعبارة أخرى هو الاهتداء إلى ولايته.
وبذلك يظهر حال ما قيل في تفسير قوله: " ثم اهتدى " فقد قيل: الاهتداء لزوم الايمان والاستمرار عليه ما دامت الحياة، وقيل: أن لا يشك ثانيا في إيمانه، وقيل: " الاخذ بسنة النبي وعدم سلوك سبيل البدعة، وقيل: الاهتداء هو أن يعلم أن لعمله ثوابا يجزى عليه، وقيل: هو تطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وقيل: هو حفظ العقيدة من أن تخالف الحق في شئ فإن الاهتداء بهذا الوجه غير الايمان وغير العمل، والمطلوب على جميع هذه الأقوال تفسير الاهتداء بمعنى لا يرجع إلى الايمان والعمل الصالح غير أن الذي ذكروه لا دليل على شئ من ذلك.
قوله تعالى: " وما أعجلك عن قومك يا موسى - إلى قوله - لترضى " حكاية مكالمة وقعت بينه تعالى وبين موسى عليه السلام في ميعاد الطور الذي نزلت عليه فيه التوراة كما قص في سورة الأعراف تفصيلا.
وظاهر السياق أنه سؤال عن السبب الذي أوجب لموسى أن يستعجل عن قومه فيحضر ميعاد الطور قبلهم كأنه كان المترقب أن يحضروا الطور جميعا فتقدم عليهم موسى في الحضور وخلفهم فقيل له: " وما أعجلك عن قومك يا موسى " فقال: " هم أولاء على أثري " أي إنهم لسائرون على أثري وسيلحقون بي عن قريب " وعجلت إليك رب لترضى " أي و السبب في عجلى هو أن احصل رضاك يا رب.
والظاهر أن المراد بالقوم وقد ذكر أنهم على أثره هم السبعون رجلا الذين اختارهم لميقات ربه، فإن ظاهر تخليفه هارون على قومه بعده وسائر جهات القصة وقوله بعد: " أفطال عليكم العهد " أنه لم يكن من القصد أن يحضر بنو إسرائيل كلهم الطور.
وهذا الخطاب يمكن أن يخاطب به موسى عليه السلام في بدء حضوره في ميعاد الطور كما يمكن أن يخاطب في أواخر عهده به فإن السؤال عن العجل غير نفس العجل الذي يقارن المسير واللقاء وإذا لم يكن السؤال في بدء الورود والحضور استقام قوله بعد:
" فإنا قد فتنا قومك من بعدك " الخ، بناء على أن الفتنة كانت بعد استبطائهم غيبة موسى على ما في الآثار ولا حاجة إلى تمحلاتهم في توجيه الآيات.