من عند الله وإنما يعصيه اتباعا للهوى لا ردا للحكم اللهم إلا أن يقال: إن الآية لاشتمالها على قوله: " تاب وآمن " إنما تشمل المشرك أو الراد لحكم من أحكام الله وهو كما ترى.
فيمكن أن يقال: إن المراد بالتوبة والايمان التوبة من الشرك والايمان بالله كما أن المعنيين هما المراد ان في أغلب المواضع من كلامه التي ذكر التوبة والايمان فيها معا، وعلى هذا كان المراد من قوله: " وعمل صالحا " الطاعة لاحكامه تعالى بالائتمار لأوامره والانتهاء عن نواهيه، ويكون معنى الآية أن من تاب من الشرك وآمن بالله وأتى بما كلف به من أحكامه فاني كثير المغفرة لسيئاته أغفر له زلة بعد زله فتكثر المغفرة لكثرة مواردها.
وقد ذكر تعالى نظير المعنى وهو مغفرة السيئات في قوله: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيأتكم " النساء: 31.
فقوله: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ينطبق على آية النساء ويبقى فيه شرط زائد يقيد حكم المغفرة وهو مدلول قوله: " ثم اهتدى " وهو الاهتداء إلى الطريق ويظهر أن المغفرة إنما يسمح بها للمؤمن العامل بالصالحات إذا قصد ذلك من طريقه ودخل عليه من بابه.
ولا نجد في كلامه تعالى ما يقيد الايمان بالله والعمل الصالح في تأثيره وقبوله عند الله إلا الايمان بالرسول بمعنى التسليم له وطاعته في خطير الأمور ويسيرها وأخذ الدين عنه وسلوك الطريق التي يخطها واتباعه من غير استبداد وابتداع يؤل إلى اتباع خطوات الشيطان وبالجملة ولايته على المؤمنين في دينهم ودنياهم فقد شرع الله تعالى ولايته وفرض طاعته وأوجب الاخذ عنه والتأسي به في آيات كثيره جدا لا حاجة إلى إيرادها ولا مجال لاستقصائها فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وكان جل بني إسرائيل على إيمانهم بالله سبحانه وتصديقهم رسالة موسى وهارون متوقفين في ولايتهما أو كالمتوقف كما هو صريح عامة قصصهم في كتاب الله ولعل هذا هو الوجه في وقوع الآية - وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى بعد نهيهم عن الطغيان وتخويفهم من غضب الله. فقد تبين أن المراد بالاهتداء في الآية على ما يهدي إليه سائر الآيات هو الايمان