بقوله: " فالقي السحرة بالبناء للمفعول دون أن يقال: فسجد السحرة إشارة إلى إذلال القدرة الإلهية لهم وغشيان الحق بظهوره إياهم بحيث لم يجدوا بدا دون أن يخروا على الأرض سجدا كأنهم لا إرادة لهم في ذلك وإنما ألقاهم ملق غيرهم دون أن يعرفوه من هو؟
وقولهم: " آمنا برب هارون وموسى شهادة منهم بالايمان وإنما أضافوه تعالى إلى موسى وهارون ليكون فيه الشهادة على ربوبيته تعالى ورسالة موسى وهارون معا وفصل قوله: " قالوا " الخ من غير عطف لكونه كالجواب لسؤال مقدر كأنه قيل:
فما قالوا فقيل: قالوا الخ.
قوله تعالى: قال آمنتم له قبل أن آذن لكم " إلى آخر الآية الكبير الرئيس وقطع الأيدي والأرجل من خلاف أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى والتصليب تكثير الصلب وتشديده كالتقطيع الذي هو تكثير القطع وتشديده والجذوع جمع جذع وهو ساقة النخل.
وقوله: " آمنتم له قبل آذن لكم " تهديد من فرعون للسحرة حيث آمنوا والجملة استفهامية محذوفة الأداة والاستفهام للانكار أو خبرية مسوقة لتقرير الجرم، وقوله:
" إنه لكبيركم الذي علمكم السحر " رمي لهم بتوطئة سياسية على المجتمع القبطي في أرض مصر كأنهم تواطؤوا مع رئيسهم أن يتنبأ موسى فيدعو أهل مصر إلى الله ويأتي في ذلك بسحر فيستنصروا بالسحرة حتى إذا حضروه واجتمعوا على مغالبته تخاذلوا وانهزموا عنه وآمنوا واتبعتهم العامة فذهبت طريقتهم المثلى من بينهم وأخرج من لم يؤمن منهم قال تعالى في موضع آخر: إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها " الأعراف: 123، وإنما رماهم بهذا القول تهييجا للعامة عليهم كما رمى موسى عليه السلام بمثله في أول يوم.
وقوله: " فلا قطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " إلى آخر الآية، إيعاد لهم وتهديد بالعذاب الشديد ولم يذكر تعالى في كلامه أنجز فيهم ذلك أم لا؟
قوله تعالى: " قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا " كلام بليغ في منطوقه بالغ في مفهومه بعيد في