تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٨٣
وقد عبروا عنه تعالى أولا بالذي فطرنا، وثانيا بربنا، وثالثا بالله، أما الأول فلأن كونه تعالى فاطرا لنا أي مخرجا لنا عن كتم العدم إلى الوجود ويتبعه انتهاء كل خير حقيقي إليه وان ليس عند غيره إذا قوبل به إلا سراب البطلان، منشأ كل ترجيح والمقام مقام الترجيح بينه تعالى وبين فرعون.
واما الثاني فلان فيه إخبارا عن الايمان به وأمس صفاته تعالى بالايمان والعبودية صفة ربوبيته المتضمنة لمعنى الملك والتدبير.
وأما الثالث فلان ملاك خيرية الشئ الكمال وعنده تعالى جميع صفات الكمال القاضية بخيريته المطلقة فناسب التعبير بالعلم الدال على الذات المستجمعة لجميع صفات الكمال وعلى هذا فالكلام في المقامات الثلاثة على بساطته ظاهرا مشتمل على الحجة على المدعى والمعنى بالحقيقة: لن نؤثرك على الذي فطرنا لأنه فطرنا، وإنا آمنا بربنا لأنه ربنا، والله خير لأنه الله عز اسمه.
قوله تعالى: " إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى " تعليل لجعل غفران الخطايا غاية للايمان بالله أي لان من لم يغفر خطاياه كان مجرما ومن يأت ربه مجرما " الخ ".
قوله تعالى: " ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى " إلى آخر الآية التالية: الدرجة - على ما ذكره الراغب - هي المنزلة لكن يعتبر فيها الصعود كدرجات السلم وتقابلها الدركة فهي المنزلة حدورا ولذا يقال درجات الجنة ودركات النار والتزكي هو التنمي بالنماء الصالح والمراد به أن يعيش الانسان باعتقاد حق وعمل صالح.
والآيتان تصفان ما يستتبعه الايمان والعمل الصالح كما كانت الآية السابقة تصف ما يستتبعه الاجرام الحاصل بكفر أو معصية والآيات الثلاث الواصفة لتبعة الاجرام والايمان ناظرة إلى وعيد فرعون ووعده لهم فقد أوعدهم فرعون على إيمانهم لموسى بالقطع والصلب وادعى أنه أشد العذاب وأبقاه فقابلوه بأن للمجرم عند ربه جهنم لا يموت فيها ولا يحيى لا يموت فيها حتى ينجو من مقاساة ألم عذابها لكن منتهى عذاب الدنيا الموت وفيه نجاة المجرم المعذب، ولا يحيى فيها إذ ليس فيها شئ مما تطيب به الحياة ولا خير مرجوا فيها حتى يقاسى العذاب في انتظاره.
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست