تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٢
الثرى على ما قيل: هو التراب الرطب أو مطلق التراب، فالمراد بما تحت الثرى ما في جوف الأرض دون التراب ويبقى حينئذ لما في الأرض ما على بسيطها من أجزائها وما يعيش فيها مما نعلمه ونحس به كالانسان وأصناف الحيوان والنبات وما لا نعلمه ولا نحس به.
وإذا عم الملك ما في السماوات والأرض ومن ذلك أجزاؤهما عم نفس السماوات والأرض فليس الشئ إلا نفس أجزائه.
وقد بين في هذه الآية أحد ركني الربوبية وهو الملك، فإن معنى الربوبية كما تقدم آنفا هو الملك والتدبير.
قوله تعالى: " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " الجهر بالقول: رفع الصوت به، والاسرار خلافه، قال تعالى: " وأسروا قولكم أو اجهروا به " الملك:
13، والسر هو الحديث المكتوم في النفس، وقوله: " وأخفى " أفعل التفضيل من الخفاء على ما يعطيه سياق الترقي في الآية ولا يصغى إلى قول من قال: إن " أخفى " فعل ماض فاعله ضمير راجع إليه تعالى، والمعنى: إنه يعلم السر وأخفى علمه. هذا.
وفي تنكير " أخفى " تأكيد للخفاء.
وذكر الجهر بالقول في الآية أولا ثم إثبات العلم بما هو أدق منه وهو السر والترقي إلى أخفى يدل على أن المراد إثبات العلم بالجميع والمعنى: وإن تجهر بقولك وأعلنت ما تريده - وكأن المراد بالقول ما في الضمير من حيث إن ظهوره إنما هو بالقول غالبا - أو أسررته في نفسك وكتمته أو كان أخفى من ذلك بأن كان خفيا حتى عليك نفسك فإن الله يعلمه.
فالأصل ترديد القول بين المجهور به والسر وأخفى وإثبات العلم بالجميع ثم وضع إثبات العلم بالسر وأخفى موضع الترديد الثاني والجواب إيجازا. فدل على الجواب في شقي الترديد معا وعلى معنى الأولوية بأوجز بيان كأنه قيل: وأن تسأل عن علمه بما تجهر به من قولك فهو يعلمه وكيف لا يعلمه؟ وهو يعلم السر وأخفى منه فهو في الكلام من لطيف الصنعة.
وذكر بعضهم أن المراد بالسر ما أسررته من القول إلى غيرك ولم ترفع صوتك
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست