نسبه الغزالي إلى الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وإلى البخاري والترمذي وأبى داود السجستاني من أرباب الصحاح وإلى عدة من أعيان السلف.
وكان الذي دعاهم إلى السكوت عن الاثبات - كما ذكره جمع - هو أن الثابت بعد المنفي خلاف ظاهر اللفظ فيكون من التأويل الذي حرم الله ابتغاءه في قوله:
" وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله " آل عمران: 7، بناء على الوقف على " إلا الله " بل تعدى بعضهم إلى مطلق التفسير فمنعه قائلا - كما نقله الآلوسي - إن كل من فسر فقد أول ومن لم يفسر لم يؤول لان التأويل هو التفسير.
وقد تقدم في ذيل آية المحكم والمتشابه من سورة آل عمران بيان أن التأويل الذي يذكره ويذمه غير المعنى المخالف لظاهر اللفظ وأن رد المتشابه إلى المحكم وبيانه به ليس من التأويل في شئ وكذا أن التأويل غير التفسير.
ثم إن هؤلاء القوم على احتياطهم في البيانات الدينية الراجعة إلى أسمائه وصفاته تعالى واقتصارهم على النفي من غير إثبات لم يسلكوا هذا المسلك فيما ورد في الكتاب والسنة من وصف أفعاله تعالى كالعرش والكرسي والحجب والقلم واللوح وكتب الأعمال وأبواب السماء وغيرها بل حملوها على ما هو المعهود عندنا من مصاديق العرش والكرسي والقلم واللوح وغير ذلك مع أن الجميع ذو ملاك واحد وهو استلزام ما يجب تنزيهه تعالى عنه من الحاجة والامكان.
وذلك أن الذي أوجد أمثال العرش والكرسي واللوح والقلم عندنا معاشر البشر هو الحاجة فإنما اتخذنا الكرسي لنستريح عليه أو نتعزز به واتخذنا العرش لنستريح عليه ونتعزز به ونظهر التفرد بالعزة والعظمة ونمثل به التعيين بالملك والسلطان واتخذنا اللوح والقلم والكتابة لمسيس الحاجة إلى حفظ ما غاب عن الحس والتحرز عن النسيان ونحو ذلك وعلى هذا النمط.
فأي فرق بين الآيات المتشابهة التي تثبت له تعالى السمع والبصر واليد والساق والرضا والأسف التي توهم التجسم المنتهي إلى الحاجة والامكان وبين الآيات التي تثبت له عرشا وكرسيا وملاء وحملة لعرشه ولوحا وقلما وهي توهم الحاجة والامكان؟ ثم أي فرق بين المحكم الذي يرفع التشابه في الطائفة الأولى وهو قوله: " ليس كمثله شئ "