تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٣٢
وبين المحكم الذي يرفع تشابه الطائفة الثانية وهو قوله: والله هو الغنى " مثلا.
نعم ذكر الإمام الرازي اعتذارا عن ذلك أن لو فتحنا باب التأويل في هذه الأمور أدى ذلك إلى جواز تأويل جميع معارف الدين وأحكام الشرع وهو قول الباطنية. وأنت خبير بأن تأويل الجميع حتى الاحكام التي تضمنتها الدعوة الدينية وأجراها بين الناس تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتربيته دفع للضرورة ومكابرة مع البداهة وليس من هذا القبيل ما قام الدليل على تشابهه وكانت هناك آية محكمة يمكن أن يرد إليها ويرتفع بها تشابهه فإبقاؤه على ظاهره سدا لباب التأويل في سائر المعارف المحكمة غير المتشابهة من قبيل إماتة حق لإماتة باطل وإن شئت فقل إماتة باطل بإحياء باطل آخر على أنك عرفت أن رد المتشابه إلى المحكم ليس من التأويل في شئ.
وألجأ الاضطرار بعض هؤلاء أن قالوا إن خلق هذا الجسم النوراني العظيم الذي يدهش العقول بعظمته على هيئه سرير ذي قوائم وحملة ووضعه فوق السماوات السبع من غير جالس يجلس عليه أو حاجة تدعو إليه وحفظه كذلك في أزمنة لا نهاية لها إنما هو من باب اللطف خلقه الله ليخبر به المؤمنين فيؤمنوا به بالغيب فيؤجروا ويثابوا في الآخرة، ونظيره اللوح والقلم وسائر الآيات العظام الغائبة عن الحس. وسقوط هذا القول غني عن البيان.
وبعد هذه الطائفة المسماة بالمفوضة الطبقة المسماة بالمؤولة وهم الذين يجمعون في تفسير المتشابهات من آيات الأسماء والصفات بين الاثبات والنفي فينزهونه عن لوازم الحاجة والامكان بتأويلها - بمعنى الحمل على خلاف الظاهر - إلى معان توافق الأصول المسلمة من الدين أو المذهب، وهؤلاء منشعبون على شعب:
منهم من اكتفى في الاثبات بعين ما نفاه بالدليل وهم الذين يفسرون الأسماء والصفات بنفي النقائص، فمعنى العلم عندهم عدم الجهل ومعنى العالم من ليس بجاهل وعلى هذا السبيل.
ولازمه تعطيل الذات المتعالية عن صفات الكمال والبراهين العقلية وظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما تدفعه، وهو من أقوال الصابئة المتسربة في الاسلام.
ومنهم من فسرها بمعان مخالفة لظواهرها من كل ما احتمله عقل أو نقل لا يخالف الأصول المسلمة وهو المسمى عندهم بالتأويل.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست