تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢١
وقد تقدم في قوله تعالى: ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار " الأعراف:
54، أن الاستواء على العرش كناية عن الاحتواء على الملك والاخذ بزمام تدبير الأمور وهو فيه تعالى - على ما يناسب ساحة كبريائه وقدسه - ظهور سلطنته على الكون واستقرار ملكه على الأشياء بتدبير أمورها وإصلاح شؤنها.
فاستواؤه على العرش يستلزم إحاطة ملكه بكل شئ وانبساط تدبيره على الأشياء سماويها وأرضيها جليلها ودقيقها خطيرها ويسيرها، فهو تعالى رب كل شئ المتوحد بالربوبية إذ لا نعني بالرب إلا المالك للشئ المدبر لامره، ولذلك عقب حديث الاستواء على العرش بحديث ملكه لكل شي وعلمه بكل شي وذلك في معنى التعليل والاحتجاج على الاستواء المذكور.
ومعلوم أن " الرحمن " وهو مبالغة من الرحمة التي هي الإفاضة بالايجاد والتدبير وهو يفيد الكثرة أنسب بالنسبة إلى الاستواء من سائر الأسماء والصفات ولذلك اختص من بينها بالذكر.
وقد ظهر بما تقدم أن " الرحمن " مبتدأ خبره " استوى " و " على العرش " متعلق بقوله " استوى " والمراد بيان الاستواء على العرش وهذا هو المستفاد أيضا من سائر الآيات فقد تكرر فيها حديث الاستواء على العرش كقوله: " ثم أستوى على العرش يغشي الليل النهار " الأعراف: 54، وقوله: " ثم استوى على العرش يدبر الامر " يونس: 3، وقوله: ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي " ألم السجدة: 4، وقوله: " ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض " الحديد: 4، إلى غير ذلك.
وبذلك يتبين فساد ما نسب إلى بعضهم أن قوله " الرحمن على العرش " مبتدأ وخبر ثم قوله " استوى " فعل فاعله " ما في السماوات " وقوله: " له " متعلق بقوله " استوى " والمراد باستواء كل شئ له تعالى جريها على ما يوافق إرادته وانقيادها لامره.
وقد أشبعنا الكلام في معنى العرش في ذيل الآية 54 من سورة الأعراف في الجزء الثامن من الكتاب، وسيأتي بعض ما يختص بالمقام في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست