تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٣
به، والمراد بأخفى منه ما أخطرته ببالك هذا والذي ذكره حق في الاسرار لكن القول لا يسمى سرا إلا من جهة كتمانه في النفس فالمعول على ما قدمناه من المعنى.
وكيف كان فالآية تثبت علمه تعالى بكل شئ ظاهر أو خفى فهي في ذكر العلم عقيب الاستواء على العرش نظيرة قوله تعالى: " ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها " الآية الحديد: 4، ومعلوم أن علمه تعالى بما يجري في ملكه ويحدث في مستقر سلطانه من الحوادث يستلزم رضاه بذلك وإذنه وبنظر آخر مشيئته لهذا النظام الجاري وهذا هو التدبير.
فالآية تثبت عموم التدبير كما أن الآية السابقة كانت تثبت عموم الملك ومجموع مدلوليهما هو الملك والتدبير وذلك معنى الربوبية المطلقة فالآيتان في مقام التعليل تثبت بهما ربوبيته تعالى المطلقة.
قوله تعالى: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " بمنزلة النتيجة لما تقدم من الآيات ولذلك كان الأنسب أن يكون اسم الجلالة خبرا لمبتدء محذوف والتقدير هذا المذكور في الآيات السابقة هو الله لا إله إلا هو... الخ، وإن كان الأقرب بالنظر إلى استقلال الآية وجامعيتها في مضمونها أن يكون اسم الجلالة مبتدء وقوله: " لا إله إلا هو " خبره، وقوله: " له الأسماء الحسنى " خبرا بعد خبر.
وكيف كان فقوله: " الله لا إله إلا هو " يمكن أن يعلل بما ثبت في الآيات السابقة من توحده تعالى بالربوبية المطلقة ويمكن أن يعلل بقوله بعده: " له الأسماء الحسنى ".
أما الأول فلان معنى الاله في كلمة التهليل إما المعبود وإما المعبود بالحق فمعنى الكلام الله لا معبود حق غيره أو لا معبود بالحق موجود غيره والمعبودية من شؤون الربوبية ولواحقها فإن العبادة نوع تمثيل وترسيم للعبودية والمملوكية وإظهار للحاجة إليه فمن الواجب أن يكون المعبود مالكا لعابده مدبرا أمره أي ربا له وإذ كان تعالى رب كل شئ لا رب سواه فهو المعبود لا معبود سواه.
وأما الثاني فلان العبادة لاحد ثلاث خصال إما رجاء لما عند المعبود من الخير فيعبد طمعا في الخير الذي عنده لينال بذلك، وإما خوفا مما في الاعراض عنه وعدم الاعتناء بأمره من الشر وإما لأنه أهل للعبادة والخضوع.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست