تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١١٢
إلا آتي الرحمان عبدا " إلى تمام أربع آيات. المراد بإتيان كل منهم عبدا له توجه الكل إليه ومثوله بين يديه في صفة المملوكية المحضة فكل منهم مملوك له لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وذلك أمر بالفعل ملازم له ما دام موجودا ولذا لم يقيد الاتيان في الآية بالقيامة بخلاف ما في الآية الرابعة.
والمراد بإحصائهم وعدهم تثبيت العبودية لهم فإن العبيد إنما تتعين لهم أرزاقهم وتتبين وظائفهم والأمور التي يستعملون فيها بعد الاحصاء وعدهم وثبتهم في ديوان العبيد وبه تسجل عليهم العبودية.
والمراد بإتيانه له يوم القيامة فردا إتيان؟ يومئذ صفر الكف لا يملك شيئا مما كان يملكه بحسب ظاهر النظر في الدنيا وكان يقال: إن له حولا وقوة ومالا وولدا وأنصارا ووسائل وأسبابا إلى غير ذلك فيظهر يومئذ إذ تتقطع بهم الأسباب أنه فرد ليس معه شئ يملكه وأنه كان عبدا بحقيقة معنى العبودية لم يملك قط ولن يملك أبدا فشأن يوم القيامة ظهور الحقائق فيه.
ويظهر بما تقدم أن الذي تتضمنه الآيات من الحجة على نفي الولد حجة واحدة ومحصلها أن كل من في السماوات والأرض عبد الله مطيع له في عبوديته ليس له من الوجود وآثار الوجود إلا ما آتاه الله فأخذه هو ممتثلا لامره تابعا لإرادته من غير أن يملك من ذلك شيئا، وليس من عبوديتها هذا فحسب بل الله أحصاهم وعدهم فسجل عليهم العبودية وأثبت كلا في موضعه وسخره مستعملا له فيما يريده منه فكان شاهدا لعبوديته، وليس هذا المقدار فحسب بل سيأتيه كل منهم فردا لا يملك شيئا ولا يصاحبه شئ ويظهر بذلك حقيقة عبوديتهم للكل فيشهدون ذلك وإذا كان هذا حال كل من في السماوات والأرض فكيف يمكن أن يكون بعضهم ولدا لله واجدا لحقيقة اللاهوت مشتقا من جوهرتها، وكيف تجتمع الألوهية والفقر؟
وأما انتهاء وجود الأشياء إليه تعالى وحده كما تضمنته الآية الأولى فمما لا يرتاب فيه مثبتوا الصانع سواء في ذلك الموحدون والمشركون وإنما الاختلاف في كثرة المعبود ووحدته وكثرة الرب بمعنى المدبر ولو بالتفويض وعدمها.
قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا " الود
(١١٢)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست