تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٢٠
في فطرته وكان إلقاء هذه الحقائق إلفاتا لنفسه إليها وتذكرة له بها بعد نسيانها.
ومن المعلوم أن ذلك إعراض وإنما سمي نسيانا بنوع من العناية وهو اشتراكهما في الأثر وهو عدم الاعتناء بشأنه فلا بد في دفع هذا النسيان الذي أوجبه اتباع الهوى والانكباب على الدنيا من أمر ينتزع النفس انتزاعا ويدفعها إلى الاقبال إلى الحق دفعا وهو الخشية والخوف من عاقبة الغفلة ووبال الاسترسال حتى تقع التذكرة موقعها وتنفع في اتباع الحق صاحبها.
وبما تقدم من البيان يظهر وجه تقييد التذكرة بقوله: " لمن يخشى " وأن المراد بمن يخشى من كان في طبعه ذلك، بأن كان مستعدا لظهور الخشية في قلبه لو سمع كلمة الحق حتى إذا بلغت إليه التذكرة ظهرت في باطنة الخشية فآمن واتقى.
والاستثناء في قوله: " إلا تذكرة " استثناء منقطع - على ما قالوا - والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك ولكن ليكون مذكرا يتذكر به من من شأنه أن يخشى فيخشى فيؤمن بالله ويتقى.
فالسياق على رسله يستدعي كون: " تذكرة " مصدرا بمعنى الفاعل ومفعولا له لقوله: " ما أنزلنا " كما يستدعي كون قوله: " تنزيلا بمعنى اسم المفعول حالا من ضمير " تذكرة " الراجع إلى القرآن، والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب به نفسك ولكن لتذكر الخاشعين بكلام إلهي منزل من عنده.
وقوله: " تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى " العلى جمع عليا مؤنث أعلى كفضلي وفضل، وأختيار خلق الأرض والسماوات صلة للموصول وبيانا لابهام المنزل لمناسبته معنى التنزيل الذي لا يتم إلا بعلو وسفل يكونان مبدأ ومنتهى لهذا التسيير، وقد خصصا بالذكر دون ما بينهما إذ لا غرض يتعلق بما بينهما وإنما الغرض بيان مبدأ التنزيل ومنتهاه بخلاف قوله: له ما في السماوات والأرض وما بينهما " إذ الغرض بيان شمول الملك للجميع.
قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " استئناف يذكر فيه مسأله توحيد الربوبية التي هي مخ الغرض من الدعوة والتذكرة وذلك في أربع آيات " الرحمن - إلى قوله - له الأسماء الحسنى ".
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست