تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١١٩
أن لا يتعب نفسه الشريفة في حمل الناس على دعوته التي يتضمنها القرآن فلم ينزل ليتكلف به بل هو تنزيل إلهي يذكر الناس بالله وآياته رجاء أن تستيقظ غريزة خشيتهم فيتذكروا فيؤمنوا به ويتقوا فليس عليه إلا التبليغ فحسب فإن خشوا وتذكروا وإلا غشيتهم غاشية عذاب الاستئصال أو ردوا إلى ربهم فأدركهم وبال ظلمهم وفسقهم ووفيت لهم أعمالهم من غير أن يكونوا معجزين لله سبحانه بطغيانهم وتكذيبهم.
وسياق آيات السورة يعطي أن تكون مكية وفي بعض الآثار أن قوله: واصبر على ما يقولون " الآية 130 مدنية وفي بعضها الاخر أن قوله: " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " الآية 131 مدنية، ولا دليل على شئ من ذلك من ناحية اللفظ.
ومن غرر الآيات في السورة قوله تعالى: " الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ".
قوله تعالى: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " طه حرفان من الحروف المقطعة افتتحت بهما السورة كسائر الحروف المقطعة التي افتتحت بها سورها نحو ألم الر ونظائرهما وقد نقل عن جماعة من المفسرين في معنى الحرفين أمور ينبغي أن يجل البحث التفسيري عن إيرادها والغور في أمثالها، وسنلوح إليها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.
والشقاوة خلاف السعادة قال الراغب: والشقاوة كالسعادة من حيث الإضافة فكما أن السعادة في الأصل ضربان: سعادة أخروية وسعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب: سعادة نفسية وبدنية وخارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب - إلى أن قال - قال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا، وكل شقاوة تعب، وليس كل تعب شقاوة، فالتعب أعم من الشقاوة. انتهى، فالمعنى ما أنزلنا القرآن لتتعب نفسك في سبيل تبليغه بالتكلف في حمل الناس عليه.
قوله تعالى: " إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى " التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشئ وإذ كان الانسان ينال حقائق الدين الكلية بفطرته كوجوده تعالى وتوحده في وجوب وجوده وألوهيته وربوبيته والنبوة والمعاد وغير ذلك كانت أمورا مودعة في الفطرة غير أن إخلاد الانسان إلى الأرض وإقباله إلى الدنيا واشتغاله بما يهواه من زخارفها اشتغالا لا يدع في قلبه فراغا أنساه ما أودع
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست