وقد ختم الآية بتقبيح اتخاذهم إياهم أولياء من دون الله الذي معناه اتخاذهم إبليس بدلا منه سبحانه فقال: " بئس للظالمين بدلا " وما أقبح ذلك فلا يقدم عليه ذو مسكة، وهو السر في الالتفات الذي في قوله: " من دوني " فلم يقل: من دوننا على سياق قوله: " وإذ قلنا " ليزيد في وضوح القبح كما أنه السر أيضا في الالتفات السابق في قوله: " عن أمر ربه " ولم يقل: عن أمرنا.
وللمفسرين ههنا أبحاث في معنى شمول أمر الملائكة لإبليس، وفى معنى كونه من الجن وفي معنى، وقد قدمنا بعض القول في ذلك في تفسير سورة الأعراف.
قوله تعالى: " ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا " ظاهر السياق كون ضميري الجمع لإبليس وذريته والمراد بالاشهاد الاحضار والاعلام عيانا كما أن الشهود هو المعاينة حضورا، والعضد ما بين المرفق والكتف من الانسان ويستعار للمعين كاليد وهو المراد ههنا.
وقد اشتملت الآية في نفي ولاية التدبير عن إبليس وذريته على حجتين إحداهما:
أن ولاية تدبير أمور شئ من الأشياء تتوقف على الإحاطة العلمية - بتمام معنى الكلمة - بتلك الأمور من الجهة التي تدبر فيها وبما لذلك الشئ وتلك الأمور من الروابط الداخلية والخارجية بما يبتدئ منه وما يقارنه وما ينتهي إليه والارتباط الوجودي سار بين أجزاء الكون، وهؤلاء وهم إبليس وذريته لم يشهدهم الله سبحانه خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم فلا كانوا شاهدين إذ قال للسماوات والأرض:
كن فكانت ولا إذ قال لهم كونوا فكانوا فهم جاهلون بحقيقة السماوات والأرض وما في أوعية وجوداتها من اسرار الخلقة حتى بحقيقة صنع أنفسهم فكيف يسعهم أن يلوا تدبير أمرها أو تدبير أمر شطر منها فيكونوا آلهة وأربابا من دون الله وهم جاهلون بحقيقة خلقتها وخلقة أنفسهم.
وأما أنهم لم يشهدوا خلقها فلان كلا منهم شئ محدود لا سبيل له إلى ما وراء نفسه فغيره في غيب منه مضروب عليه الحجاب، وهذا بين وقد أنبأ الله سبحانه عنه في مواضع من كلامه، وكذا كل منهم مستور عنه شأن الأسباب التي تسبق وجوده واللواحق التي ستلحق وجوده.