الدنيا وضلوا السبيل فيخاطبون بمثل قوله: " لقد جئتمونا " الخ.
وقوله " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " مقول القول والتقدير وقال لهم أو قلنا لهم: لقد جئتمونا الخ، وفي هذا بيان خطاهم وضلالهم في الدنيا إذ تعلقوا بزينتها وزخرفها فشغلهم ذلك عن سلوك سبيل الله والاخذ بدينه.
وقوله " بل ظننتم أن لن نجعل لكم موعدا " في معنى قوله " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " المؤمنون: 115 والجملة إن كانت إضرابا عن الجملة السابقة على ظاهر السياق فالتقدير ما في معنى قولنا: شغلتكم زينه الدنيا وتعلقكم بأنفسكم وبظاهر الأسباب عن عبادتنا وسلوك سبيلنا بل ظننتم أن لن نجعل لكم موعدا تلقوننا فيه فتحاسبوا وبتعبير آخر: أن اشتغالكم بالدنيا وتعلقكم بزينتها وأن كان سببا في الاعراض عن ذكرنا واقتراف الخطيئات لكن كان هناك سبب هو أقدم منه وهو الأصل وهو أنكم ظننتم أن لن نجعل لكم موعدا فنسيان المعاد هو الأصل في ترك الطريق وفساد العمل قال تعالى: " إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ص: 26.
والوجه في نسبة الظن بنفي المعاد إليهم أن انقطاعهم إلى الدنيا وتعلقهم بزينتها ومن يدعونه من دون الله فعل من ظن أنها دائمة باقية لهم وانهم لا يرجعون إلى الله فهو ظن حالي عملي منهم ويمكن أن يكون كناية عن عدم اعتنائهم بأمر الله واستهانتهم بما نذروا به نظير قوله تعالى: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون " حم السجدة: 22.
ومن الجائز ان يكون قوله: " بل ظننتم أن لن نجعل لكم موعدا " اضرابا عن اعتذار لهم مقدر بالجهل ونحوه والله أعلم.
قوله تعالى: " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا " إلى آخر الآية وضع الكتاب نصبه ليحكم عليه، ومشفقين من الشفقة واصلها الرقة، قال الراغب في المفردات: الاشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه قال تعالى: " وهم من الساعة مشفقون " فإذا عدي بمن فمعنى