ودقتها ولا كبيرة لكبرها ووضوحها، والمقام مقام الاستفزاع في صورة التعجيب واحصاء الصغيرة على صغرها ودقتها أقرب إليه من غيرها.
وقوله: " ووجدوا ما عملوا حاضرا " ظاهر السياق كون الجملة تأسيسا لا عطف تفسير لقوله: " لا يغادر صغيرة ولا كبيرة " الخ وعليه فالحاضر عندهم نفس الأعمال بصورها المناسبة لها لا كتابتها كما هو ظاهر أمثال قوله: " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " التحريم: 7، ويؤيده قوله بعده: " وما يظلم ربك أحدا " فإن انتفاء الظلم بناء على تجسم الأعمال أوضح لان ما يجزون به إنما هو عملهم يرد إليهم ويلحق بهم لا صنع في ذلك لاحد فافهم ذلك.
قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " تذكير ثان لهم بما جرى بينه تعالى وبين إبليس حين أمر الملائكة بالسجود لأبيهم آدم فسجدوا الا إبليس كان من الجن فتمرد عن أمر ربه.
أي واذكر هذه الواقعة حتى يظهر لهم أن إبليس - وهو من الجن - وذريته عدو لهم لا يريدون لهم الخير فلا ينبغي لهم أن يفتتنوا بما يزينه لهم هو وذريته من ملاذ الدنيا وشهواتها والاعراض عن ذكر الله ولا أن يطيعوهم فيما يدعونهم إليه من الباطل.
وقوله: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو " تفريع على محصل الواقعة والاستفهام للانكار أي ويتفرع على الواقعة أن لا تتخذوه وذريته أولياء والحال انهم أعداء لكم معشر البشر، وعلى هذا فالمراد بالولاية ولاية الطاعة حيث يطيعونه وذريته فيما يدعونهم فقد اتخذوهم مطاعين من دون الله، وهكذا فسرها المفسرون.
وليس من البعيد أن يكون المراد بالولاية ولاية الملك والتدبير وهو الربوبية فإن الوثنية كما يعبدون الملائكة طمعا في خيرهم كذلك يعبدون الجن اتقاء من شرهم، وهو سبحانه يصرح بأن إبليس من الجن وله ذرية وأن ضلال الانسان في صراط سعادته وما يلجمه من أنواع الشقاء إنما هو بإغواء الشيطان فالمعنى أفتتخذونه وذريته آلهة وأربابا من دوني تعبدونهم وتتقربون إليهم وهم لكم عدو؟
ويؤيده الآية التالية فإن عدم إشهادهم الخلقة انما يناسب انتفاء ولاية التدبير عنهم لا انتفاء ولاية الطاعة وهو ظاهر.