الموبق والمهلك بالنار أو بمحل من النار يهلك فيه الفريقان المشركون وشركاءهم لكن التدبر في كلامه تعالى لا يساعد عليه فإن الآية قد أطلقت الشركاء وفيهم - ولعلهم الأكثر - الملائكة وبعض الأنبياء والأولياء، وأرجع إليهم ضمير اولي العقل مرة بعد مرة، ولا دليل على اختصاصهم بمردة الجن والإنس، وكون جعل الموبق بينهم دليلا على الاختصاص أول الكلام.
فلعل المراد من جعل موبق بينهم إبطال الرابطة ورفعها من بينهم وقد كانوا يرون في الدنيا أن بينهم وبين شركائهم رابطة الربوبية والمربوبية أو السببية والمسببية فكني عن ذلك بجعل موبق بينهم يهلك فيه الرابطة والعلقة من غير أن يهلك الطرفان، ويومي إلى ذلك بلطيف الإشارة تعبيره عن دعوتهم أولا بالنداء حيث قال: " نادوا شركائي والنداء إنما يكون في البعيد فهو دليل على بعد ما بينهما.
وإلى مثل هذا المعنى يشير قوله تعالى في موضع آخر من كلامه: " وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " الانعام: 94، وقوله تعالى: ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون " يونس: 28.
قوله تعالى ورأي المجرمون النار وظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " في أخذ المجرمين مكان المشركين دلالة على أن الحكم عام لجميع أهل الاجرام، والمراد بالظن هو العلم - على ما قيل - ويشهد به قوله: " ولم يجدوا عنها مصرفا ".
والمراد بمواقعة النار الوقوع فيها - على ما قيل ولا يبعد أن يكون المراد حصول الوقوع من الجانبين فهم واقعون في النار بدخولهم فيها والنار واقعة فيهم باشتعالهم بها.
وقوله: " ولم يجدوا عنها مصرفا " المصرف بكسر الراء اسم مكان من الصرف أي لم يجدوا محلا ينصرفون إليه ويعدلون عن النار ولا مناص.
قوله تعالى: " ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وكان الانسان أكثر شئ جدلا " قد مر الكلام في نظير صدر الآية في سورة أسرى آية 89 والجدل الكلام