خير وسعادة من غير عمل يستدعيه يقول: من المستبعد أن تقوم الساعة ولئن قامت ورددت إلى ربى لأجدن بكرامة نفسي - ولا يقول: يؤتيني ربى - خيرا من هذه الجنة منقلبا أنقلب إليه.
وقد خدعت هذا القائل نفسه فيما ادعت من الكرامة حتى أقسم على ما قال كما يدل عليه لام القسم في قوله: " ولئن رددت " ولام التأكيد ونونها في قوله:
" لأجدن " وقال: " رددت " ولم يقل: ردني ربي إليه، وقال: " لأجدن " ولم يقل: آتاني الله.
والآيتان كقوله تعالى: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وماء أظن الساعة قائمه ولئن رجعت إلى ربي ان لي عنده للحسنى " حم السجدة: 50.
قوله تعالى قال: " له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفه ثم سواك رجلا " الآية وما بعدها إلى تمام أربع آيات رد من صاحب الرجل يرد به قوله: " أنا أكثر منك مالا واعز نفرا " ثم قوله إذ دخل جنته " ما أظن أن تبيد هذه أبدا " وقد حلل الكلام من حيث غرض المتكلم إلى جهتين: إحداهما استعلاؤه على الله سبحانه بدعوى استقلاله في نفسه وفيما يملكه من مال ونفر واستثناؤه بما عنده من القدرة والقوة والثانية استعلاؤه على صاحبه واستهانته به بالقلة والذلة ثم رد كلا من الدعويين بما يحسم مادتها ويقطعها من أصلها فقوله: " أكفرت بالذي خلقك - إلى قوله - إلا بالله " رد لاولى الدعويين، وقوله " إن ترن انا أقل - إلى قوله - طلبا " رد للثانية.
فقوله: " قال له صاحبه وهو يحاوره " في إعادة جملة " وهو يحاوره " إشارة إلى أنه لم ينقلب عما كان عليه من سكينة الايمان ووقاره باستماع ما استمعه من الرجل بل جرى على محاورته حافظا آدابه ومن أدبه إرفاقه به في الكلام وعدم خشونته بذكر ما يعد دعاء عليه يسوؤه عادة فلم يذكر ولده بسوء كما ذكر جنته بل اكتفى فيه بما يرمز إليه ما ذكره في جنته من إمكان صيرورتها صعيدا زلقا وغور مائها.
وقوله: " أكفرت بالذي خلقك " الخ الاستفهام للانكار ينكر عليه ما اشتمل عليه كلامه من الشرك بالله سبحانه بدعوى الاستقلال لنفسه وللأسباب والمسببات كما