التي ستعود صعيدا جرزا بل يدعوهم إلى ربهم ولا يزيد على ذلك فمن شاء منهم آمن به ومن شاء كفر ولا عليه شئ، وأما الذي يجب أن يواجهوا به إن كفروا أو آمنوا فليس هو أن يتأسف أو يسر، بل ما أعده الله للفريقين من عقاب أو ثواب.
قوله تعالى: " واتل ما أوحي إليك " إلى آخر الآية في المجمع: لحد إليه والتحد أي مال انتهى فالملتحد اسم مكان من الالتحاد بمعنى الميل والمراد بكتاب ربك القرآن أو اللوح المحفوظ، وكأن الثاني أنسب بقوله: " لا مبدل لكلماته ".
وفي الكلام على ما عرفت آنفا رجوع إلى ما قبل القصة وعليه فالأنسب أن يكون قوله: " واتل " الخ عطفا على قوله: " إنا جعلنا ما على الأرض " الخ والمعنى لا تهلك نفسك على آثارهم أسفا واتل ما اوحى إليك من كتاب ربك لأنه لا مغير لكلماته فهي حقة ثابتة ولأنك لا تجد من دونه ملتحدا تميل إليه.
وبذلك ظهر أن كلا من قوله: " لا مبدل لكلماته " وقوله " لن تجد من دونه ملتحدا " في مقام التعليل فهما حجتان على الامر في قوله: " واتل " ولعله لذلك خص الخطاب في قوله: " ولن تجد " الخ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أن الحكم عام ولن يوجد من دونه ملتحد لاحد.
ويمكن أن يكون المراد ولن تجد أنت ملتحدا من دونه لأنك رسول ولا ملجأ للرسول من حيث إنه رسول إلا مرسله، والأنسب على هذا أن يكون قوله: " لا مبدل لكلماته " حجة واحدة مفادها واتل عليهم هذه الآيات المشتملة على الامر الإلهي بالتبليغ لأنه كلمة إلهية ولا تتغير كلماته وأنت رسول ليس لك إلا أن تميل إلى مرسلك وتؤدي رسالته، ويؤيد هذا المعنى قوله في موضع آخر: " قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من رسالاته " الجن: 23.
قوله تعالى: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " إلى آخر الآية قال الراغب: الصبر الامساك في ضيق يقال: صبرت الدابة حبستها بلا علف، وصبرت فلانا خلفته خلفة لا خروج له منها، والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه. انتهى مورد الحاجة.