قوله تعالى: " هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا " القراءة المشهورة " الولاية " بفتح الواو وقرئ بكسرها والمعنى واحد، وذكر بعضهم أنها بفتح الواو بمعنى النصرة وبكسرها بمعنى السلطان، ولم يثبت وكذا " الحق " بالجر، والثواب مطلق التبعة والاجر وغلب في الاجر الحسن الجميل، والعقب بالضم فالسكون وبضمتين العاقبة.
ذكر المفسرون أن الإشارة بقوله: " هنالك " إلى معنى قوله: " أحيط بثمره " أي في ذلك الموضع أو في ذلك الوقت وهو موضع الاهلاك ووقته الولاية لله، وأن الولاية بمعنى النصرة أي إن الله سبحانه هو الناصر للانسان حين يحيط به البلاء وينقطع عن كافة الأسباب لا ناصر غيره.
وهذا معنى حق في نفسه لكنه لا يناسب الغرض المسوق له الآيات وهو بيان أن الامر كله لله سبحانه وهو الخالق لكل شئ المدبر لكل أمر وليس لغيره إلا سراب الوهم وتزيين الحياة لغرض الابتلاء والامتحان، ولو كان كما ذكروه لكان الأنسب توصيفه تعالى في قوله: " لله الحق " بالقوة والعزة والقدرة والغلبة ونحوها لا بمثل الحق الذي يقابل الباطل، وأيضا لم يكن لقوله: " هو خير ثوابا وخير عقبا " وجه ظاهر وموقع جميل.
والحق والله أعلم أن الولاية بمعنى مالكية التدبير وهو المعنى الساري في جميع اشتقاقاتها كما مر في الكلام على قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله " المائدة: 55 أي عند إحاطة الهلاك وسقوط الأسباب عن التأثير وتبين عجز الانسان الذي كان يرى لنفسه الاستقلال والاستغناء ولاية أمر الانسان وكل شئ وملك تدبيره لله لأنه إله حق له التدبير والتأثير بحسب واقع الامر وغيره من الأسباب الظاهرية المدعوة شركاء له في التدبير والتأثير باطل في نفسه لا يملك شيئا من الأثر إلا ما أذن الله له وملكه إياه، وليس له من الاستقلال إلا اسمه بحسب ما توهمه الانسان فهو باطل في نفسه حق بالله سبحانه والله هو الحق بذاته المستقل الغني في نفسه.
وإذا اخذ بالقياس بينه - تعالى عن القياس - وبين غيره من الأسباب المدعوة شركاء في التأثير كان الله سبحانه خيرا منها ثوابا فإنه يثيب من دان له ثوابا حقا وهي