إذ قال لصاحبه: " إنا أكثر منك ما لا وأعز نفرا " فلم ير إلا نفسه ونسي أن ربه هو الذي سلطه على ما عنده من المال وأعزه بمن عنده من النفر فجرى قوله لصاحبه " أنا أكثر منك ما لا وأعز نفرا " مجرى قول قارون لمن نصحه أن لا يفرح ويحسن بما آتاه الله من المال: " إنما أوتيته على علم " القصص: 78.
وهذا الذي يكشف عنه قوله: " أنا أكثر منك ما لا " الخ أعني دعوى الكرامة النفسية والاستحقاق الذاتي ثم الشرك بالله بالغفلة عنه والركون إلى الأسباب الظاهرية هو الذي أظهره حين دخل جنته فقال كما حكاه الله: " ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة الخ.
قوله تعالى: " ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال " إلى آخر الآيتين. الضمائر الأربع راجعة إلى الرجل، والمراد بالجنة جنسها ولذا لم تثن، وقيل: لان الدخول لا يتحقق في الجنتين معا في وقت واحد، وإنما يكون في الواحدة بعد الواحدة.
وقال في الكشاف: فإن قلت: فلم أفرد الجنة بعد التثنية؟ قلت: معناه ودخل ما هو جنته ما له جنة غيرها يعنى أنه لا نصيب له في الجنة التي وعد المؤمنون فما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد الجنتين ولا واحدة منهما. انتهى وهو وجه لطيف.
وقوله: " وهو ظالم لنفسه " وإنما كان ظالما لأنه تكبر على صاحبه إذ قال: " أنا أكثر منك ما لا " الخ وهو يكشف عن إعجابه بنفسه وشركه بالله بنسيانه والركون إلى الأسباب الظاهرية، وكل ذلك من الرذائل المهلكة.
وقوله: " قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا البيد والبيدودة الهلاك والفناء والإشارة بهذه إلى الجنة، وفصل الجملة لكونها في معنى جواب سؤال مقدر كأنه لما قيل: ودخل جنته قيل: فما فعل؟ فقيل: قال: ما أظن أن تبيد الخ.
وقد عبر عن بقاء جنته بقوله: " ما أظن أن تبيد " الخ ونفي الظن بأمر كناية عن كونه فرضا وتقديرا لا يلتفت إليه حتى يظن به ويمال إليه فمعنى ما أظن أن تبيد هذه أن بقاءه ودوامه مما تطمئن إليه النفس ولا تتردد فيه حتى تتفكر في بيده وتظن أنه سيفنى.