فهو قول من غير دليل وإن أريدت به الرحمة المقابلة للعذاب كان لازمه كون الشجرة ملعونة بمعنى الابعاد من الرحمة والكرامة ومقتضاه كون جهنم وماء أعد الله فيها من العذاب وملائكة النار وخزنتها ملعونين مغضوبين مبعدين من الرحمة، وليس شئ منها ملعونا وإنما اللعن والغضب والبعد للمعذبين فيها من الإنس والجن.
وقولهم: " إنها جعلت ملعونة لان طلعها يشبه رؤس الشياطين والشياطين ملعونون فهو مجاز في الاسناد بعيد من الفهم يرد عليه ما أوردناه على الوجه الأول.
وقولهم: إن العرب تسمي كل غذاء مكروه ضار ملعونا فيه استعمال الشجرة وإرادة الثمرة مجازا ثم جعلها ملعونة لكونها مكروهة ضارة أو نسبة اللعن وهو وصف الثمرة إلى الشجرة مجازا، وعلى أي حال كونها معنى من معاني اللعن غير ثابت بل الظاهر أنهم يصفونه باللعن بمعناه المعروف والعامة يلعنون كل ما لا يرتضونه من طعام وشراب وغيرهما.
وأما انتساب القول إلى ابن عباس فعلى تقدير ثبوته لا حجية فيه وخاصة مع معارضته لما في حديث عائشة الآتية وغيرها وهو يتضمن تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعارضه قول غيره.
وقال في الكشاف في قوله تعالى: " وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعني بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون " وغير ذلك فجعله كأن قد كان ووجد فقال: " أحاط بالناس " على عادته في إخباره.
وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في العريش مع أبي بكر كان يدعو ويقول: اللهم إني أسألك عهدك ووعدك ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول:
" سيهزم الجمع ويولون الدبر ". ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر: والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومئ إلى الأرض ويقول: هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر يوم بدر وما أري