وفي الآيتين دلالة على إن الأمة من الانسان لها كتاب كما أن للفرد منه كتابا قال تعالى: " وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " اسرى: 13.
قوله تعالى: " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون " كلام خارج مخرج الاستهزاء ولذلك خاطبوه صلى الله عليه وآله وسلم لا باسمه بل بوصف نزول الذكر عليه كما كان يدعيه وجاؤا بالفعل المجهول للدلالة على أن منزله غير معلوم عندهم ولا اعتماد ولا وثوق لهم بما يدعيه هو ان الله تعالى هو الذي أنزله وتوصيفه بالذي نزل عليه الذكر وكذا تسمية النازل عليه ذكرا كل ذلك من الاستهزاء كما أن قولهم انك لمجنون رمى وتكذيب.
قوله تعالى لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين لو ما مثل هلا للتحضيض أي هلا تأتينا بالملائكة ان كنت صادقا في دعوى النبوة ليشهدوا على صدق دعواك وينذر معك فهو قريب المعنى من قولهم على ما حكاه الله: " لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا " الفرقان: 7.
ووجه اقتراحهم على الأنبياء أن يأتوا بالملائكة ويظهروهم لهم اعتقادهم ان البشرية كينونة مادية مغمورة في قذارة الشهوة والغضب لا نسبة بينها وبين العالم السماوي الذي هو محض النورانية والطهارة فمن ادعى نوعا من الاتصال بذاك العالم الروحاني فعليه ان يأتي ببعض أهله من الملائكة الكرام ليصدقوه في دعواه ويعينوه في دعوته.
على إن الملائكة عند الوثنيين آلهة دون الله سبحانه فدعوتهم إلى التوحيد معناها ان هؤلاء الالهة في معزل من الشفاعة والعبادة بأمر من الله سبحانه وهو اله الالهة ولا دليل على ذلك كاعترافهم به فلينزلوا وليعترفوا ويصدقوا النبوة.
قوله تعالى: " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " جواب عما اقترحوا على النبي صلى الله عليه ولاله وسلم أن يأتيهم بالملائكة حتى يصدقوه ومحصل الجواب ان السنة الإلهية جارية على ستر ملائكته عنهم تحت أستار الغيب فلو انزلهم وأظهرهم لهم عن اقتراحهم ذلك كان ذلك آية سماوية خارقة للعادة نازلة عن اقتراحهم ومن شأن الآية المعجزة النازلة عن اقتراح الناس ان يعقبها عذاب الاستئصال والهلاك القطعي