تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٩٦
وتشتمل السورة على قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين الخ والآية تقبل الانطباق على ما ضبطه التاريخ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتتم في أول البعثة ثلاث سنين أو أربعا أو خمسا لا يعلن دعوته لاشتداد الامر عليه فكان لا يدعو الا آحادا ممن يرجو منهم الايمان يدعوهم خفية ويسر إليهم الدعوة حتى اذن له ربه في ذلك وأمره ان يعلن دعوته.
وتؤيده الروايات المأثورة من طرق الشيعة وأهل السنة إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتتم في أول بعثته سنين لا يظهر فيها دعوته لعامة الناس حتى انزل الله تعالى عليه: " فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين " فخرج إلى الناس واظهر الدعوة وعليه فالسورة مكية نازلة في أول الدعوة العلنية.
ومن غرر الآيات القرآنية المشتملة على حقائق جمة في السورة قوله تعالى:
" وان من شئ الا عندنا خزائنه " الآية وقوله: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ".
قوله تعالى: " الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " الإشارة إلى الآيات الكريمة القرآنية فالمراد بالكتاب القرآن وتنكير القرآن للدلالة على عظم شأنه وفخامة أمره كما أن التعبير بتلك وهى للإشارة إلى البعيد لذلك.
والمعنى هذه الآيات العالية منزلة الرفيعة درجة التي ننزلها إليك آيات الكتاب الإلهي وآيات قرآن عظيم الشأن فاصل بين الحق والباطل على خلاف ما يرميها به الكفار بما يرمونك بالجنة مستهزئين بكلام الله.
ومن الممكن ان يراد بالكتاب اللوح المحفوظ فان القرآن منه وفيه قال تعالى:
" انه لقرآن كريم في كتاب مكنون " الواقعة: 78 وقال: " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " البروج: 22 فيكون قوله تلك آيات الكتاب وقرآن مبين كالملخص من قوله: " والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم " الزخرف 4.
قوله تعالى: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " توطئة لما سيتعرض له من قولهم للنبي: " يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون يشير به إلى انهم سيندمون
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست