تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٠٠
ما يستحقه من السعادة والشقاوة.
واما عالم الملائكة وظرف وجودهم فإنما هو عالم الحق غير مشوب بشئ من الباطل كما يدل عليه قوله تعالى: " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " التحريم: 6 وقوله بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء: 27.
فمقتضى الآيات وما في معناها انهم في أنفسهم مخلوقات شريفة ووجودات طاهرة نورانية منزهة عن النقص والشين لا تحتمل الشر والشقاء وليس عندها امكان الفساد والمعصية والتقصير فلا يحكم فيها هذا النظام المادي المبنى على أساس الامكان والاختيار وجواز الصلاح والفساد والطاعة والمعصية والسعادة والشقاء جميعا وسيوافيك البحث المستوفى فيه فيما يناسبه من المورد إن شاء الله وسيأتى أيضا ان الانسان لا طريق له إلى هذا الظرف الحق ما دام متوغلا في هذا العالم المادي متورطا في ورطات الشهوات والأهواء كاهل الكفر والفسوق الا ببطلان عالمهم وخروجهم إلى العالم الحق وظهوره عليهم وانكشاف الغطاء عنهم كما يشير إليه قوله: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق: 22 وهذا هو العالم الذي يسمى بالنسبة إلى الانسان آخرة.
فتبين ان ظهور عالم الملائكة للناس المتوغلين في عالم المادة متوقف على تبدل الظرف والانتقال من الدنيا إلى الآخرة وهو الموت اللهم إلا في المصطفين من عباد الله وأوليائه المطهرين من اقذار الذنوب الملازمين لساحة قربه لهم أهلية مشاهدة الغيب وهم في عالم الشهادة كالأنبياء عليهم السلام.
ولعل ما قدمناه هو المراد بقوله: " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " فإنهم انما اقترحوا نزول الملائكة ليشاهدوهم في صورهم الأصلية حتى يصدقوا وهذا الحال لا تتمهد لهم الا بالموت كما قال تعالى: " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة " إلى أن قال " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " الفرقان: 23.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست