تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٥٥
هم الغافلون إشارة إلى أن اختيار الحياة الدنيا على الآخرة والحرمان من هداية الله سبحانه هو الوصف الذي يوصف به الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم والذين يسمون غافلين.
فإنهم باختيارهم الحياة الدنيا غاية لأنفسهم وحرمانهم من الاهتداء إلى الأخرى انقطعوا عن الآخرة وتعلقوا بالدنيا وجعلوها غاية لأنفسهم فوقف حسهم وعقلهم فيها دون ان يتعدياها إلى ما وراءها وهو الآخرة فليسوا يبصرون ما يعتبرون به ولا يسمعون عظة يتعظون بها ولا يعقلون حجة يهتدون بها إلى الآخرة.
فهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وابصارهم فلا تنال قلوبهم ولا سمعهم وابصارهم ما يدلهم على الآخرة وهم غافلون عنها لا يتنبهون لشئ من أمرها.
فظهر ان ما في الآية السابقة من الوصف بمنزلة المعرف لما في هذه الآية من الطبع ومن الغفلة فعدم هداية الله إياهم اثر ما تعلقوا بالدنيا هو معنى الطبع والغفلة والطبع صنع الهى منسوب إليه تعالى فعله بهم مجازاة والغفلة صفة منسوبة إليهم أنفسهم.
قوله تعالى: " لا جرم انهم في الآخرة هم الخاسرون لانهم ضيعوا رأس مالهم في الدنيا فبقوا لا زاد لهم يعيشون به في أخراهم وقد وقع في نظير المقام من سورة هود: " لا جرم انهم في الآخرة هم الأخسرون " هود: 22 ولعل وجه التشديد هناك انه تعالى أضاف إلى صفاتهم هناك انهم صدوا عن سبيل الله فراجع.
قوله تعالى: " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم " الفتنة في الأصل ادخال الذهب النار ليظهر جودته ثم استعمل في مطلق البلاء والتعذيب وقد كانت قريش ومشركو مكة يفتنون المؤمنين ليردوهم عن دينهم ويعذبونهم بأنواع العذاب حتى ربما كانوا يموتون تحت العذاب كما فتنوا عمارا وأباه وامه فقتل أبواه وارتد عمار ظاهرا فتفصى منهم بالتقية وفي ذلك نزلت الآيات السابقة كما سيأتي إن شاء الله في البحث الروائي.
ومن هنا يظهر ان للآية اتصالا بما قبلها من قوله الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان وهى في معنى قولنا وبعد ذلك كله ان الله غفور رحيم للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا.
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست