وهذا القدر هو الذي بسببه يتعين الشئ ويتميز من غيره ففي زيد مثلا شئ به يتميز من عمرو وغيره من افراد الانسان ويتميز من الفرس والبقر والأرض والسماء ويجوز لنا به ان نقول ليس هو بعمرو ولا بالفرس والبقر والأرض والسماء ولولا هذا الحد لكان هو هي وارتفع التميز.
وكذلك ما عنده من القوى والآثار والأعمال محدودة مقدرة فليس ابصاره مثلا ابصارا مطلقا في كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان ولكل شئ وبكل عضو مثلا بل ابصار في حال وزمان ومكان خاص ولشئ خاص وبعضو خاص وعلى شرائط خاصة ولو كان ابصارا مطلقا لأحاط بكل ابصار خاص وكان الجميع له ونظيره الكلام في سائر ما يعود إليه من خصائص وجوده وتوابعه فافهم ذلك.
ومن هنا يظهر إن القدر خصوصية وجود الشئ وكيفية خلقته كما يستفاد أيضا من قوله تعالى: " الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى " الاعلى: 3 وقوله:
" الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50 فان الآية الأولى رتبت الهداية وهى الدلالة على مقاصد الوجود على خلق الشئ وتسويته وتقديره والآية الثانية رتبتها على اعطائه ما يختص به من الخلق ولازم ذلك على ما يعطيه سياق الآيتين كون قدر الشئ خصوصية خلقه غير الخارجة عنه.
ثم انه تعالى وصف قدر كل شئ بأنه معلوم إذ قال: " وما ننزله الا بقدر معلوم " ويفيد بحسب سياق الكلام ان هذا القدر معلوم له حينما يتنزل الشئ ولما يتم نزوله ويظهر وجوده فهو معلوم القدر معينه قبل ايجاده واليه يؤل معنى قوله:
" وكل شئ عنده بمقدار " الرعد: 8 فان ظاهر الآية إن كل شئ بما له من المقدار حاضر عنده معلوم له فقوله هناك عنده بمقدار في معنى قوله هاهنا بقدر معلوم ونظير ذلك قوله في موضع آخر: " قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلاق: 3 أي قدرا لا يتجاوزه معينا غير مبهم معلوما غير مجهول وبالجملة للقدر تقدم على الشئ بحسب العلم والمشية وان كان مقارنا له غير منفك عنه في وجوده.
ثم انه تعالى أثبت بقوله عندنا خزائنه وما ننزله الخ للشئ عنده قبل نزوله إلى هذه النشأة واستقراره فيها خزائن وجعل القدر متأخرا عنها ملازما