كان من أهل النار عمل الشر لا محالة، والدعوة إلى الجنة وعمل الخير لان عمل الخير يعين منزله في الجنة، وأن عمل الشر يعين منزله في النار لا محالة كما قال تعالى:
" ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات " البقرة: 148.
فلم يمنع تعين الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات، ولا منافاة بين تعين السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامة وبين عدم تعينها بالنظر إلى اختيار الانسان في تعيين عمله فإنه جزء العلة، وجزء علة الشئ لا يتعين معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة، وقد تقدم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب، وآخرها في تفسير قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " الأعراف: 30، وأخبار الطينة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه.
وفيه أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم " الآية قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.
أقول: وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس بطرق كثيرة في ألفاظ مختلفة لكن الجميع تشترك في أصل المعنى، وهو إخراج ذريه آدم من ظهره وأخذ الميثاق منهم.
وفيه أخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ".
قالوا: لما أخرج الله آدم من الجنة قبل تهبيطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر فقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر: فقال: ادخلوا النار ولا ابالي فذلك قوله: " أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ".
ثم أخذ منهم الميثاق فقال: أ لست بربكم قالوا بلى فأعطاه طائفة طائعين، و طائفة كارهين على وجه التقية فقال هو والملائكة: شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا