وهو " نبأ " الرجل " الذي آتيناه آياتنا " وكشفنا لباطنه عن علائم وآثار إلهية عظام يتنور له بها حق الامر " فانسلخ منها " ورفضها بعد لزومها " فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين " فلم يقو على إنجاء نفسه من الهلاك.
قوله تعالى: " ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه " الآية الاخلاد اللزوم على الدوام، والاخلاد إلى الأرض اللصوق بها، وهو كناية عن الميل إلى التمتع بالملاذ الدنيوية والتزامها، واللهث من الكلب أن يدلع لسانه من العطش.
فقوله: " ولو شئنا لرفعناه بها " أي لو شئنا لرفعناه بتلك الآيات وقربناه إلينا لان في القرب إلى الله ارتفاعا عن حضيض هذه الدنيا التي هي بما لها من اشتغال الانسان بنفسها عن الله وآياته أسفل سافلين، ورفعه بتلك الآيات بما أنها أسباب إلهية ظاهرية تفيد اهتداء من تلبس بها لكنها لا تحتم السعادة للانسان لان تمام تأثيرها في ذلك منوط بمشيئة الله، والله سبحانه لا يشاء ذلك لمن أعرض عنه وأقبل إلى غيرها. وهي الحياة الأرضية اللاهية عن الله ودار كرامته فإن الاعراض عن الله سبحانه وتكذيب آياته ظلم، وقد حق القول منه سبحانه أنه لا يهدي القوم الظالمين، وأن الذين كفروا وكذبوا بآياته أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
ولذلك عقب تعالى قوله: " ولو شئنا لرفعناه بها " بقوله: " لكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه " فالتقدير: لكنا لم نشأ ذلك لأنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه وكان ذلك موردا لا ضلالنا لا لهدايتنا كما قال تعالى: " ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم: 27.
وقوله: " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " أي إنه ذو هذه السجية لا يتركها سواء زجرته ومنعته أو تركته و " تحمل " من الحملة لا من الحمل " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا " فالتكذيب منهم سجية وهيئة نفسانية خبيثة لازمة فلا تزال آياتنا تتكرر على حواسهم ويتكرر التكذيب بها منهم " فاقصص القصص " وهو مصدر أي أقصص قصصا أو اسم مصدر أي اقص القصة " لعلهم يتفكرون " فينقادوا للحق وينتزعوا عن الباطل.
قوله تعالى: " ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون " ذم