تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣١
المعاني على اختلاف أنظار المفسرين غير أن قوله تعالى في سورة الحجر فيما حكاه عنه:
" قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين " يؤيد أن مراده هو المعنى الأول، والباء في قوله " فبما " للسببية أو المقابلة، والمعنى: فبسبب إغوائك إياي أو في مقابلة إغوائك إياي لاقعدن لهم الخ، وقد أخطأ من قال: إنها للقسم وكأن القائل أراد أن يطبقه على قوله تعالى في موضع آخر حكاية عنه: " قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين " ص: 82.
وقوله: " لاقعدن لهم صراطك المستقيم " أي لأجلسن لاجلهم على صراطك المستقيم وسبيلك السوي الذي يوصلهم إليك وينتهي بهم إلى سعادتهم لما أن الجميع سائرون إليك سالكون لا محالة مستقيم صراطك فالقعود على الصراط المستقيم كناية عن التزامه والترصد لعابريه ليخرجهم منه.
وقوله: " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم " بيان لما يصنعه بهم وقد كمن لهم قاعدا على الصراط المستقيم، وهو أنه يأتيهم من كل جانب من جوانبهم الأربعة. وإذ كان الصراط المستقيم الذي كمن لهم قاعدا عليه أمرا معنويا كانت الجهات التي يأتيهم منها معنوية لا حسية والذي يستأنس من كلامه تعالى لتشخيص المراد بهذه الجهاد كقوله تعالى: " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " النساء: 120، وقوله: " إنما ذلكم الشيطان يخوف ألياءه " آل عمران: 175 وقوله: " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " البقرة: 168، وقوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء " البقرة: 268 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة هو أن المراد مما بين أيديهم ما يستقبلهم من الحوادث أيام حياتهم مما يتعلق به الآمال والأماني من الأمور التي تهواه النفوس وتستلذه الطباع، ومما يكرهه الانسان ويخاف نزوله به كالفقر يخاف منه لو أنفق المال في سبيل الله أو ذم الناس ولومهم لو ورد سبيلا من سبل الخير والثواب.
والمراد بخلقهم ناحية الأولاد والأعقاب فللانسان فيمن يخلفه بعده من الأولاد آمال وأماني ومخاوف ومكاره فإنه يخيل إليه أنه يبقى ببقائهم فيسره ما يسرهم ويسوءه ما يسوؤهم فيجمع المال من حلاله وحرامه لاجلهم، ويعد لهم ما استطاع من قوة فيهلك
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست