تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٦
الغائب عن حواسنا، وما له من عجيب التصرف والولاية في العالم الانساني.
وكيف لا وهو يصاحب العالم الانساني على سعة نطاقه العجيبة منذ ظهر في الوجود حتى ينقضي أجله وينقرض بانطواء بساط الدنيا ثم يلازمه بعد الممات ثم يكون قرينه حتى يورده النار الخالدة، وهو مع الواحد منا كما هو مع غيره هو معه في علانيته وسره يجاريه كلما جرى حتى في أخفى خيال يتخيله في زاوية من زوايا ذهنه أو فكرة يواريها في مطاوي سريرته لا يحجبه عنه حاجب، ولا يغفل عنه بشغل شاغل.
وأما الباحثون منا فقد أهملوا البحث عن ذلك وبنوا على ما بنى عليه باحثوا الصدر الأول سالكين ما خطوا لهم من طريق البحث، وهي النظريات الساذجة التي تلوح للأفهام العامية لأول مرة تلقوا الكلام الإلهي ثم التخاصم في ما يهتدي إليه فهم كل طائفة خاصة، والتحصن فيه ثم الدفاع عنه بأنواع الجدال، والاشتغال بإحصاء إشكالات القصة وتقرير السؤال والجواب بالوجه بعد الوجه.
لم خلق الله إبليس وهو يعلم من هو؟ لم أدخله في جمع الملائكة وليس منهم؟ لم أمره بالسجدة وهو يعلم أنه لا يأتمر؟ لم لم يوفقه للسجدة وأغواه؟ لم لم يهلكه حين لم يسجد؟ لم أنظره إلى يوم يبعثون أو إلى يوم الوقت المعلوم؟ لم مكنه من بني آدم هذا التمكين العجيب الذي به يجري منهم مجرى الدم؟ لم أيده بالجنود من خيل ورجل وسلطه على جميع ما للحياة الانسانية به مساس؟ لم لم يظهره على حواس الانسان ليحترز مساسه؟ لم لم يؤيد الانسان بمثل ما أيده به؟ ولم لم يكتم أسرار خلقة آدم وبنيه من إبليس حتى لا يطمع في إغوائهم؟ وكيف جازت المشافهة بينه وبين الله سبحانه وهو أبعد الخليقة منه وأبغضهم إليه ولم يكن بنبي ولا ملك؟ فقيل بمعجزة وقيل:
بإيجاد آثار تدل على المراد ولا دليل على شئ من ذلك.
ثم كيف دخل إبليس الجنة؟ وكيف جاز وقوع الوسوسة والكذب والمعصية هناك وهي مكان الطهارة والقدس؟ وكيف صدقه آدم وكان قوله مخالفا لخبر الله؟
وكيف طمع في الملك والخلود وذلك يخالف اعتقاد المعاد؟ وكيف جازت منه المعصية وهو نبي معصوم؟ وكيف قبلت توبته ولم يرد إلى مقامه الأول والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ وكيف...؟ وكيف....؟
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»
الفهرست