تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٠
قصة تبتدئ من هذه الآية إلى تمام خمس عشرة آية يفصل فيها إجمال الآية السابقة وتبين فيها العلل والأسباب التي انتهت إلى تمكين الانسان في الأرض المدلول عليه بقوله:
" ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ".
ولذلك بدئ الكلام في قوله: " ولقد خلقناكم " (الخ) بلام القسم، ولذلك أيضا سيقت القصتان أعني قصة الامر بالسجدة، وقصة الجنة في صورة قصة واحدة من غير أن تفصل القصة الثانية بما يدل على كونها قصة مستقلة كل ذلك ليتخلص إلى قوله:
" قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر " إلى آخر الآيتين فينطبق التفصيل على إجمال قوله: " ولقد مكناكم في الأرض " الآية.
وقوله: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " الخطاب فيه لعامة الآدميين وهو خطاب امتناني كما مر نظيره في الآية السابقة لان المضمون هو المضمون وإنما يختلفان بالاجمال والتفصيل.
وعلى هذا فالانتقال في الخطاب من العموم إلى الخصوص أعني قوله: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " بعد قوله: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " يفيد بيان حقيقتين:
الأولى: أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم أي للنشأة الانسانية وإن كان آدم عليه السلام هو القبلة المنصوبة للسجدة فهو عليه السلام في أمر السجدة كان مثالا يمثل به الانسانية نائبا مناب أفراد الانسان على كثرتهم لا مسجودا له من جهة شخصه كالكعبة المجعولة قبلة يتوجه إليها في العبادات، وتمثل بها ناحية الربوبية.
ويستفاد هذا المعنى أولا من قصة الخلافة المذكورة في سورة البقرة آية 30 - 33 فإن المستفاد من الآيات هناك أن أمر الملائكة بالسجدة متفرع على الخلافة، والخلافة المذكورة في الآيات كما استفدناه هناك - غير مختصة بادم بل جارية في عامة الآدميين فالسجدة أيضا للجميع.
وثانيا: أن إبليس تعرض لهم أي لبني آدم ابتداء من غير توسيط آدم ولا تخصيصه عليه السلام بالتعرض حين قال على ما حكاه الله سبحانه: " فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم " (الخ) من غير سبق ذكر لبني آدم، وقد ورد نظيره في سورة الحجر حيث قال: " رب بما أغويتني لأزينن لهم في
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست